ابتدأ الأسبوع الماضي بتداول تسريب مفبرك عن تنقلات في الجيش، وفي نهايته تبين الأمر باعتباره خطوة استباقية من قائد الحرس لتلافي قرارات تغيير متوقعة؛ بإجراء مجموعة من التنقلات وتقديمها أمام الرئيس وإصدارها بقرارات جمهورية، وكأن دور الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة هنا شكلي وروتيني!. اللافت للنظر أن تداول الخبر لم يقتصر على المواقع والصحف التابعة لبقايا النظام، بل شاركت مواقع وصحف مستوى الثقة بأخبارها مرتفع، وأكثر من ذلك كتبت مقالات وتحليلات تنطلق من كون القرار أصبح مؤكداً ومعلناً وذهبت لتبني عليه استنتاجات ومواقف. قبل ذلك بأسابيع تردد خبر عن تمرد ضبعان قائد اللواء33 بتعز على قرار صدر بإقالته واستبداله بآخر، قبل أن يتأكد مثل هكذا خبر، وهنا أيضاً بدت الخفة في التهوين من رفض قائد عسكري لقرار سيادي من القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع وعدم إعطاء الخبر الأهمية اللازمة والتأكد من صحته قبل إجازته للنشر. نشر ضبعان حينها لنقاط تفتيش وإقامة حواجز أمنية، تصرف أراد من ورائه أن تتناول وسائل الإعلام الخبر من باب التصعيد والاحتراز من صدور قرار إقالته بتهويل الأمر وتوقع رد فعل وصعوبات في تطبيقه، وهو هدف ضبعان والمتشبثون بالسيطرة على المؤسسة العسكرية، وكان ذلك واضحاً بإرباك أجندة التغيير عقب إبعاد مهدي مقولة من قيادة المنطقة الجنوبية، واستثمار بروز عنوان الإرهاب والقاعدة لإرباك صانع القرار وتهويل الأمور أمامه . الخفة في تناول خبر رفض ضبعان لقرار إقالته - الذي لم يصدر بعد - يكمن في عدم إدراك مواقع وصحف تداول الخبر لمدى قوة المركز السيادي الذي يمثله موقع رئيس الجمهورية وقوة ما يصدر عنه من قرارات. صحيح أن الرجل لم يمسك بعد بالسلطة الكاملة مع استمرار انقسام الجيش، غير أن ذلك لا يعني شيئاً. بإمكان الرئيس أن يطيح بمائة رأس من الرؤوس الكبيرة في الجيش والأمن كلها بقرار جمهوري مرقم ومعلن عبر وكالة الأنباء الرسمية، بإمكانه أن يحصدهم جميعاً بشخطة قلم...ماذا سوف يفعلون؟ لا مجال إلا التنفيذ، ومن يرفض يصبح متمرداً. وتقدير موقف الجيش المنضم للثورة لا يترتب عليه أي استحقاقات تعفي قياداته ووحداته العسكرية من قرارات التغيير وإعادة الهيكلة ومعاييرها الفنية لبناء جيش وطني بقيادة مهنية وطنية موحدة. نريد أن نرى جميع قادة الجيش والأجهزة الأمنية ملتزمين بقانون الخدمة العسكرية وضوابط الانتماء للمؤسستين، وهذا يشمل القيادات المؤقتة الآن في ظل الانقسام وبعد الهيكلة. لقد تحوّل قادة عسكريون وأمنيون إلى نجوم الشباك السياسي وتفوقوا على قادة الأحزاب بتصريحاتهم ومقابلاتهم وظهورهم المتواتر في وسائل الإعلام، لقد نسوا وضعيتهم وساهموا في تقويض وظيفة الجيش والأمن، واهتزاز الصورة وإرباكها أمام الجميع. مؤخراً انضمت لجنة الشؤون العسكرية والأمنية للمزاحمة في شباك التصريحات والمقابلات والتسريبات، وساهم بعض أعضائها بوعي أو دون وعي في الوضعية القائمة التي تكرس انقسام الجيش وخروج قياداته عن وظيفتهم التي تلزمهم بالحياد وعدم التدخل في الشؤون السياسية، والولاء للدولة والإدارة العامة وليس لأفراد وأسر، وهي كلها مهام وجدت اللجنة لتجاوزها وفق الهيكلة المنتظرة. ومقابلات وتصريحات بعض أعضاء اللجنة العسكرية قدمت اللجنة من خلالهم كجزء من السجال الانقسامي السائد حول الجيش وانحرفت بوظيفة اللجنة في الآونة الأخيرة عن مسار عملها الوطني والمهمة الكبيرة التي كلفت بها، وخلت من الإحساس بالمسؤولية، وحادت عن التعاطي المتزن والرشيد الذي عرفت به خلال الأشهر الماضية. وهذا الانغماس في السجال السائد وإطلاق التصريحات السجالية يتزامن مع تعطيل مهمة اللجنة المتمثلة في إعادة المؤسسة العسكرية إلى وضعها الطبيعي كمؤسسة مهنية وطنية موحدة. وهذا الوضع يكشف عن ضعف انضباط بعض أعضاء اللجنة وعدم التزامهم ببرنامجها، وغياب الإدارة الصارمة، وكان مفترضاً تحديد ضوابط صارمة لنشاطها بما في ذلك التصريحات. وعموماً يفترض أن يصدر رئيس الجمهورية توجيهات قاطعة لكل القادة العسكريين والأمنيين يلزمهم فيها بالامتناع عن إصدار التصريحات والظهور الإعلامي؛ لأنهم يمارسون مهامهم وفق مواقعهم العسكرية والأمنية وليسوا ساسة وناشطين حزبيين. وهذا يشمل الجميع؛ من وقفوا في صف الحاكم ونظامه، ومن أعلنوا حمايتهم للثورة السلمية.. عليهم جميعاً الصمت وانتظار ما يقرره القائد الأعلى للقوات المسلحة بشأنهم كقيادات. لا حوار قبل الهيكلة، ولا هيكلة للجيش دون توحيده أولاً. ولا يمكن أن يتوحد الجيش قبل تغيير القيادات المسيطرة عليه، والتي حولته إلى إقطاعيات خاصة. عودة إلى التسريبات وضجيجها، طلعت وزارة الدفاع بتصريح عبر مصدر مسؤول يكرس نفس أساليب التعامل القديمة عن المصدر الغامض والخطوط الحمر والأسرار العسكرية !! العودة إلى المتاهة القديمة لا تجدي، وبدلاً عن ذلك عينوا متحدثين رسميين لوزارة الدفاع والداخلية والحكومة ورئاسة الجمهورية...هذا وحده يجنبنا ضجيج التسريبات والإشاعات التي تضخ بشكل يومي، وأغلبها يصدر من قبل بقايا النظام للتشويش على الرئيس الجديد وإرباك اللجنة العسكرية وبرنامج إعادة الهيكلة. إضافة لذلك ينبغي أن يضمن هذا الإجراء توفير الشفافية وحق المجتمع ووسائل الإعلام في الحصول على المعلومات من مصادرها بوضوح وعبر الناطق الرسمي لكل جهة. في المحصلة تعود كل خيوط الوضع الراهن والمسؤولية الأولى في إدارته باتجاه الرئيس عبدربه منصور هادي؛ فوحده من بإمكانه أن ينجز تغييراً منشوداً، ويحدث فرقاً، ويعيد انضباطاً مفقوداً. ويحتاج ذلك إلى رفع فعاليته إلى حدها الأقصى وتشكيل فريق عمل فعال من حوله.