بعد الخلاف الذي وصل إلى المساجد وإلى منابر الجمعة، وكنا قد ذكرنا في وقت سابق ما حدث في جامع القبة الخضراء بصنعاء من خلاف على المنبر، وبعد أسبوعين من الشد والجذب والمفاوضات أُعلن بعد صلاة الجمعة الماضية عن اتفاق توصل إليه الطرفان المتنافسان والمتصارعان يقضي بإجراء انتخابات لاختيار خطيب للمسجد. والحقيقة أن فكرة الانتخابات طيبة ولكن تساءلت في نفسي، من هم الذين يحق لهم التصويت وماهي ضوابط تلك الانتخابات؟ ومن ناحية أخرى هل ستجرى الانتخابات لمرتادي المسجد لصلاة الجمعة أم لصلاة أخرى؟ أم أن المسألة ستقتصر على سكان الحي المجاور للمسجد، وماهي حدود ذلك الحي ومن هم الشريحة الناخبة هل أصحاب المساكن أم المستأجرون؟ وقضايا من هذا النوع, والقصد من كل هذه التساؤلات الوقوف أمام ظاهرة بدت تتحول تدريجياً إلى سبب لصراعات على المنابر والمحاريب قد تنتشر في عموم مساجد الجمهورية حتى يصبح لكل جماعة مسجد ولكل حزب مساجد، وكل شخص يصلي في مسجد حزبه وجماعته، والعملية هنا ليست صحيحة ولا معقولة وسوف تؤثر سلباً على رسالة المسجد الإسلامية المجردة من حسابات السياسة والأحزاب والحسابات الخاصة. بانتظار أن تجرى انتخابات خطباء الجوامع والأئمة وتحديد الجهة المنظمة للانتخابات، ولعلنا نشهد إضافة مادة دستورية يحدد فيها إلى جانب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية ما يمكن تسميتها بانتخابات المنابر أو (المنبرية) طالما وصل بنا الحال إلى الخلاف حول من يصعد على المنبر ليلقي موعظة الجمعة على الناس أو من يتقدم ليصلي بالناس في الصلاة ولا تزيد مهمته عن قراءة الفاتحة وآيات أخرى. لا أدري هل الموعظة تختلف من لسان إصلاحي إلى لسان مؤتمري أو اشتراكي أو بعثي؟ وهل قراءة آيات من القرآن يشترط أن تكون بلسان حزبي مبين ونتجاهل قضية (أكثركم علماً بكتاب الله) كشرط لمن يتقدم لإمامه الناس الحاضرين للصلاة وغيره من الشروط المحددة الدينية الخالصة والمنطقية. الحقيقة للمرة الألف أن هذا الموضوع لن يكون إيجابياً طالما يتم التعامل بألسنة حزبية، ولعل الذين اقترحوا إجراء انتخابات (مسجدية) لاختيار خطيب أو إمام كانوا يهدفون لتمرير خطتهم بالسيطرة على منبر الجامع موضع الخلاف اعتقاداً منهم بأن الذين (يؤمِّنون) بعد الإمام في الصلاة أغلبهم من حزبهم، وهذا يأتي من باب سوء ظنهم ببقية منتسبي الأحزاب وبالمستقلين الذين يعبدون الله بعيداً عن خلافات المتحزبين. أكثر خلافاتنا السياسية جاءت بسبب الانتخابات والسلطة وضوابط الوصول إليها، ولم نتفق حتى اللحظة رغم تكرار التجربة حول شروط وضوابط الانتخابات وكل طرف يراها من وجهة نظره، ولذلك عندما نصل إلى إقرار الانتخابات (المسجدية) فلن يبقى لنا من مكان آمن من وجع الرأس والقلب بسبب التنافس على سلطة (المنبر) وما ستجلبه من متاعب وإشكالات.