من بلايا التواريخ البشرية ما جرى ويجري على خط “أديان الشريعة” المفارقة لروحية ونواميس الله في خلقه. حدث هذا في كل الأديان المعروفة على وجه الكرة الأرضية، فبقدر ما جاء الأنبياء والرسل ليعيدوا البشر إلى جادة الصواب، وحكمة الأرض والسماء.. بذات القدر، وعلى خطٍّ متصل انبرى كهنة الأديان لتقديم تفاسيرهم الخاصة للنصوص الدينية، ثم واصلوا المتاهة في دروب الكلام المُتعرّج، يفلسفون الواضح، ويؤولون الساطع، وهكذا ظلوا يفعلون. في الديانة المسيحية التاريخية كان أول من انبرى للتفسير والتأويل هو المسيحي العتيد «بولص الرسول» الذي يُعرف بأنه أول من خطط للكنائس المسيحية السبع، وأول من وضع الوشيجة الأساسية للعلاقة بين “العهدين الجديد والقديم”، باعتبارهما كتاباً مقدساً واحداً، وأول من خرْسن فكر المراتبية اللاهوتية الكهنوتية الثلاثية فيما يُعرف بالأقانيم الثلاثة «الله /الإبن / الروح القدس»، وبهذا المعنى بدأ التفارق بين حواريي عيسى عليه السلام الذين غادروا الفانية مُمْسكين بجمرة رسالته السماوية، فيما جاء الوارثون ليضعوا ديناً للشريعة بحسب أهوائهم، وهكذا ظلت الكنيسة تستمد قوتها من علياء اللاهوت الكنسي الذي استمد مخططه الأول من “بولص الرسول”، واستمرت المسألة على هذا المنوال، فتفرّقت المسيحية شيعاً وأحزاباً، وأصبحت المذاهب الكنسية الأشهر بمثابة ديانات متوازية، وكان للكاثوليكية اللاتينية، والبرتستانية الانجلوسكسونية، والارثوذوكسية المشرقية “الآورو آسيوية”، بمثابة التيارات البارزة في التنوّع المذهبي الديني الذي أفضى إلى حروب ما أنزل الله بها من سلطان، وكانت بداية لتطهير “الدين الكنسي” من المارقين النسطوريين العيسويين الرافضين للأقانيم الثلاثة، والقائلين بالإله الواحد الأحد. ثم استمرت المتوالية لكي تصل إلى أقصى درجات عنفوانها في الحرب الدينية المسيحية البينية التي تعالت بالأصوات القومية الشوفينية ذات النزعة العرقية المقيتة، مما هو معروف في تواريخ المتاهات الأوروبية القديمة، وللحديث صلة. [email protected]