الرئيس هادي -بعكس صالح تماما- يبدو زاهداً في الظهور الإعلامي ويحب أن يتوارى عن الأضواء، باسندوة قادم معاليه من الثورة –كما يفترض- ولعله يعي ما معنى أن يكون (الإعلام الرسمي) كرباجاً في يد النظام!! علي العمراني كاتب وإعلامي ولا أظنه سيكتفي بأقل من الرد بمقال يوضح فيه موقفه – كوزير إعلام- مما سيطرح في هذا المقال...، القراء كل القراء أتمنى أن يقرأوا هذا المقال وفي أذهانهم تلك الحاجة الملحة التي لا يغفل عنها أحد، وهي حاجتنا لثورة ثقافية تنتشل الوعي الجمعي اليمني من عذاباته، وترقى به نحو آفاق أرحب وأسمى... لا يكاد يساورني شك في أن التفكير في إبقاء مؤسسات الإعلام الرسمية (على كثرتها وقلة بركتها) كما كانت عليه في عهد صالح ليس سوى غباء، وأن التفكير في إغلاق إحداها أو بعضها أمرٌ في غاية الغباء، الأغبى من ذلك أن يتم تحويلها إلى (شركات مساهمة) -كما كان يفكر المصريون- أو يتم بيعها كما سمعنا قبل أيام عن مسألة تقدم (توفيق الخامري) لشراء مؤسسة الثورة. التفكير في إبقاء (مؤسسات الإعلام الرسمية أو الحكومية) كما كانت في عهد صالح غباء لأننا لسنا بحاجة إلى إعلام رسمي على هذا النحو، وإذا كان لا بد فليكن لدينا وسيلة إعلام رسمية واحدة (قناة، إذاعة، صحيفة)، نحن في غنى عن الصحافة الرسمية وصحافة الظل التابعة لها، لدينا الآن 4 مؤسسات إعلام رسمية (مؤسسة الثورة، مؤسسة الجمهورية، مؤسسة 14 أكتوبر، وكالة سبأ) كل مؤسسة تصدر عنها صحيفة باسمها، الأخيرة تصدر عنها (السياسية)، كما تصدر عن مؤسسة الثورة أيضاً (مجلة معين، صحيفة الوحدة، صحيفة الرياضة). ثم إلى جانب الإذاعة، لدينا قنوات تلفزيونية (يمن، وسبأ، ويمانية)، كلها تقول نفس الشيء، وتشعر وأنت تشاهدها بأزمة حادة في المواد والبرامج التلفزيونية، أثق في أن الأمر يصل أحياناً وربما غالباً إلى مجرد (ملء فراغ)، تماماً كما يحصل في الصحف الرسمية حين يتحول الأمر إلى مجرد (تعبئة ورق) ملئها بالحبر لا أقل ولا أكثر، أو (تسويدها). على طريقة المثل الشعبي (سوّد مالك بين أعدا). ليس من المعقول أن تظل هذه المؤسسات على ما هي عليه، ليس من المنطقي أبداً أن تخصص الحكومة (ميزانيات لكل هذه المؤسسات) وهي لا تسمن ولا تغني من جوع، الأربع المؤسسات (الثورة، سبأ، الجمهورية، أكتوبر) تصدر صحفاً خمس (الخامسة هي صحيفة الوحدة الصادرة عن مؤسسة الثورة)، جميعها في حكم الصحيفة الواحدة، ليس بينها فروق – جوهرية – ولا تخدم التنوع، إنها تماماً أشبه بصفحات الفيس بوك (الثورية الإخبارية) التي أنشأها شباب هواة، والتي تختلف مسمياتها بينما منشوراتها واحدة وأحياناً في نفس التوقيت. الإعلام الرسمي مشكلة في حد ذاتها، لعلنا اكتوينا بنارها أيام صالح، ولعل الاضطراب الذي تعانيه أو عانته بعض مؤسساته خلال هذه الفترة، سواءً في الإدارة أو في الخطاب، إنما هو امتداد لكونها كذلك –أي كونها مشكلة في حد ذاتها- ولعل السياسيين شعروا بها، غير أنهم ربما أخطأوا في فهمها أو في تقديرها كما يجب، لا أدري كيف يفكرون!!، ولا أدري كيف سينتهي أمرها!! لكني أكاد أجزم أن غاية ما سيقومون به بشأنها سيفضي إلى أحد هذه الأمور: إما أن يتم إيقاف بعضها، أو يتم اقتسامها – من خلال سايكس بيكو وفاقي - أو يتم اقتسام الخطاب –الخطاب الذي يمكن أن تنتجه أو ينتج عبرها- الأمر الأخير هو ما تعبر عنه وجهات النظر القائلة بضرورة أن يعكس خطابها (التوازن) وهذا في جانب من جوانبه يعني أنها ستظل كما كانت في عهد صالح أداة بيد السلطة، فالتوازن المنشود - والذي تحقق في بعضها - إنما هو انعكاس للتوازن الذي تشهده السلطة بطبيعتها الوفاقية، فإذا ما انتهى هذا التوازن (عقب الفترة الانتقالية المحددة بسنتين) فسيختفي بالتأكيد من الإعلام الرسمي، وحينئذٍ من يملك السلطة يملك الإعلام الرسمي، بتعبير آخر لا يمكن القول والحالة هذه أن وسائل الإعلام الرسمية عادت إلى الشعب بقدر ما عادت إلى حكومة الوفاق، وحين ينتهي عهد حكومة الوفاق ستؤول إلى من يأتي من بعدها، وهكذا دواليك... رغم كل ذلك إلا أن التفكير في إغلاق إحداها أو بعضها أمرٌ في غاية الغباء –كما قلنا سابقاً- لأن ذلك سيكون بمثابة خسارة لمؤسسات حكومية موجودة وقائمة ولا يمكن أن تعوض ببساطة، مؤسسات الإعلام الرسمي بإمكانياتها الهائلة، والكادر البشري الذي داخلها، والأصول الثابتة فيها، والاسم التجاري أو العلامة التجارية التي تمتلكها (قيمتها الرمزية من خلال الرصيد التراكمي التاريخي الذي تمثله كل واحدةٍ منها منذ إنشائها وحتى الآن) كل ذلك وغيره يجعلها في حكم رأسمال وطني (عام)، ينبغي استثماره، إنها رأسمال يفتقر إلى الرؤية الواضحة والغاية (التنويرية)، ولهذا تقف في أولويات الجهات المعنية ضرورة البحث عن وظيفة جادة لها، إنها ملكيات عامة، والتفريط فيها كارثة حقيقية، وأظن أن أغنى دولة في العالم لن تستغني عنها بكل بساطة وتقوم ببيعها (إلا إذا كان هناك صفقة معدومة ضمير)، لأن لا فائدة يمكن أن تجنيها الحكومة من ذلك، المستفيد الوحيد هو من سيشتريها، صحيح أن بعض هذه المؤسسات تعاني من مشاكل (مثل مؤسسة الثورة)، لكن الوزارة سترتكب حماقةً كبرى فيما لو لجأت إلى بيعها للتخلص منها (كسبب إحراج)، دون أن تحاول معالجة مشاكلها، في الوقت الذي مازالت هناك إمكانية كبيرة لتقديم الحلول، والعمل على تطويرها بالشكل الذي يضاعف الإيرادات (كونها مؤسسات إيرادية) ويرتقي بالعمل داخلها، وينتشلها من المأزق الذي وقعت فيه مهما كانت الأسباب، أما إذا كان حل مشاكل المؤسسات هو بيعها، فهذا يعني أننا (ضعنا وضاعت البلاد)، لأن كثيراً من المؤسسات تعاني من مشاكل، وبحاجة إلى (بيع)، وسيأتي البيع على باقي المؤسسات يوماً ما، وقد نصل إلى درجة بيع الوزارات (لو لقينا من سيطورها أفضل)، وربما مشاكل (الرئاسة) سيكون حلها هو طرحها في المزاد العلني و(ربما في حراج الصافية). في الجهة اليسرى من موقع صحافة نت، تقف قائمة طويلة من المواقع اليمنية، يزيد عددها على (200) موقع، معظمها مواقع إلكترونية، بعضها مواقع لصحف ورقية، تتنوع جميعاً ما بين (حكومية، حزبية، مستقلة). لكن أكثر من 90 في المائة من هذه المواقع يغلب عليها الطابع السياسي، الصحف الورقية التي ترقد على سرير أحد الأكشاك يكاد ينطبق عليها نفس الأمر، القنوات التلفزيونية اليمنية... لا يمكن أن تستثنى من ذلك.. (شبعنا سياسة يا خلق الله) معظم وسائل الإعلام اليمنية سياسية بالدرجة الأولى، وإذا كانت بعضها متنوعة/جامعة فإن الجانب السياسي يأتي في المرتبة الأولى بينما تأتي المجالات الأخرى ثانوية يتجلى حضورها كجانب تكميلي ليس أكثر. (شبعنا سياسة) لأننا نحن اليمنيين (سياسيون بفطرة القات) ويقضي الغالبية العظمى من اليمنيين 6 ساعات تقريباً من اليوم في الحديث عن السياسة، بينما نحن في الحقيقة شعب جاهل يفتقر إلى الحد الأدنى من الثقافة الحقوقية أو القانونية على سبيل المثال. يتحدث المتخصصون في علم الصحافة عن عدة وظائف رئيسية للصحافة، تتعدد بتعدد ظروف المجتمعات ومراحلها التاريخية التي تمر بها أو تعيشها، وطبيعة الصحف نفسها، لكن أهم تلك الوظائف أو أبرزها هي: (خبرية، رأي تثقيف، ترفيه وتسلية)، وبما أن الصحافة الثقافية في اليمن كانت تعاني من ركود أو اضطراب نوعاً ما، فمن الواضح أنها في 2011م. لقيت ضربةً قاسيةً، اختفت الملاحق الثقافية (الملحق الثقافي للثورة، أفكار، فنون، الجمهورية) تعثرت حتى بعض الصفحات الثقافية، ما يمكن قوله هو أن الصحافة اليمنية عموماً طغى عليها الجانب الخبري بشكل جنوني، بالإضافة إلى مساحة لا بأس بها من المقالات التي كانت تعلق على الأحداث المتسارعة والمستجدات على الساحة السياسية في ظل موجة الربيع العربي. وهذا يعني أن الصحافة اليمنية (سياسية، خبرية) أي أن ثمة تجانساً في المشهد الإعلامي والصحفي في اليمن، نحن بحاجة إلى تنوع حقيقي، بحاجة إلى صحافة متخصصة في جوانب أخرى غير (السياسة)، ولها وظيفة أخرى غير (الخبر) والتعليق عليه.. نحن بحاجة إلى صحافة متنوعة تغطي المجالات الأخرى (اجتماعية، اقتصادية، سياحية، تقنية، علمية، ترجمة، ...إلخ) وأكثر من ذلك نحن بحاجة إلى صحافة (ثقافية) تنتشل الوعي اليمني من عذاباته وترتقي بتفكيره، الصحافة أشبه بمدرسة كبيرة مفتوحة، أشبه بمنهج دراسي مفتوح تفاعلي وانتقائي، ولعلّنا نشعر بحاجتنا الماسة إلى ثورة ثقافية ولعلّ سنةً من الثورة لم تفعل شيئاً مثلما عمقت أو عززت هذا الشعور، ولو فكر كل ذي عقل في وضع اليمن من كل الجوانب سيجد أنه لا يمكن للحلول السياسية والمعالجات المؤقتة أن تفعل شيئاً وحدها، ثمة حاجة إلى تيار تنويري يفعل فعله في الوعي الجمعي ويرتقي به ويفتح آفاقه على عالم متجدد متغير وفضاء معرفي واسع يليق بإنسان يعيش في مثل هذا العصر، إنسان يستحق أفضل مما هو عليه، يستحق بل يجب أن يتم تخليصه من ثقافة يغرق في وحلها لا تكاد ترقى إلى ثقافة القرون الوسطى...فبدلاً من إغلاقها، أو استمرارها كما كانت في عهد صالح، أو تقاسمها بين الأحزاب، يمكن أن تكون لها وظيفة أخرى، ينعكس تأثيرها على وعي الإنسان اليمني، ويرتقي بتفكيره، ليس من المعقول أن يكون لدينا هذه المؤسسات الإعلامية وفي نفس الوقت تقول نفس الشيء وتردد نفس الأسطوانة، أو تصدر هذه الصحف كلها بتخصص واحد هو السياسة، في الوقت الذي تعاني منه الثقافة من ركود دائم وقحط مؤلم، فليجازف وزير الإعلام ويحول (مجلة معين مثلاً) إلى مجلة ثقافية، أو فليجازف ويجعلها مجلة أطفال، تخيلوا يا حكومة الوفاق كم طفل في اليمن، ليس لديهم (مجلة من الدولة)!! أو حتى منشور من صفحتين!! أو حتى رسمة طفولية توزع عليها سنوياً... لماذا لا تتحول صحيفة الوحدة مثلاً إلى صحيفة متخصصة في التكنولوجيا أو إصدار ثقافي (بميزانيتها وبطاقمها وبرئيس تحريرها)، ولماذا لا تتحول 14 أكتوبر أي شيء آخر غير هذا الهباء...؟ ما المانع في أن تتحول إحدى هذه المؤسسات إلى مؤسسة (صحافة ثقافية) أو تصدر صحفاً متخصصةً، (ثقافية رياضية، اجتماعية، إلخ)؟ لماذا لا يفتح الباب أو يتم دعم المطبوعات من غير الصحف(الكتب)؟ لماذا لا تتحول إحداها إلى مؤسسة (ترجمة) أو يكون أحد أقسامها الرئيسية؟ لماذا لا يتم طباعة (الكتب) العلمية النادرة أو المترجمة في ورق جرائد (كما فعلت الهند)؟ لماذا لا يكون هناك استراتيجية تتبناها الوزارة، أو تكلف قيادات هذه المؤسسات بعمل دراسات أو تصورات لاستغلالها الاستغلال الأمثل؟ لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ نحن بحاجة هذه المؤسسات في أن تحدث قفزةً نوعيةً ويكون لها دورها في عملية التنوير والتثقيف، صحيح أن لدى الوزارة مشاكلها وظروفها صعبة، لكنها لن تكون أصعب من ظروف عشرات الشباب اليمنيين الذين يصدرون دواوينهم وكتبهم وأعمالهم وإبداعاتهم (على حسابهم ومن قوت أطفالهم) بينما أطنان من الورق تذهب هدراً في هذه المؤسسات، ظروفها صعبة لكنها ليست أصعب من ظروف فتحي أبو النصر وهو يصدر مجلة إنزياحات، أو ظروف محمود ياسين وهو يصدر صيف، أو ظروف أروى عثمان وهي تصدر ذاكرة، أو ظروف محمد عبيد وهو يصدر موقع فوضى، أو ظروف أحمد السلامي وهو يصدر موقع عناوين، أو ظروف ياسر عبد الباقي وهو يصدر موقع جدارية) وهي كلها مشاريع فردية شخصية لكنها (تثقيفية، تنويرية) لا يرقى إلى مستواها أي إصدار حكومي بما فيها مجلة (الثقافة) الصادرة عن وزارة الثقافة، أراهن أن تلك المشاريع الفردية الشخصية كانت تفعل أكثر مما كان يفعله وزراء صالح ومسؤولوه، لأنهم فقط كانوا يحولون المؤسسات الثقافية والإعلامية إلى مجرد مؤسسات تصرف مرتبات لموظفيها...وبس. مجمل ما يمكن قوله هو أن هذه المؤسسات رأسمال وطني (عام) لا يمكن التفريط به، وينبغي توظيفه واستثماره ليخدم أغراضاً أخرى ضمن الدولة المدنية، وليكن بمثابة تدشين للتنمية الثقافية والاجتماعية وينبغي على الحكومة أن يكون لديها رؤية واضحة واستراتيجية مستقبلية توظف المؤسسات الحكومية في سبيل إنجازها وتبتكر المشاريع التي تخدم ذلك...التغيير الحقيقي هو: في تغيير الرؤى والسياسات وليس في تغيير شخص مكان شخص، ومسؤول مكان مسؤول، ووزير مكان وزير...التغيير هو أن تعود مؤسسات الإعلام الرسمية الحكومية إلى الشعب، لا أن تتحول إلى تركة أو (فيد) يتقاسمه (طرفا الوفاق)، ولا أن يتخذ منها أدوات في الصراع السياسي، أو منابر يتحدثون من خلالها ويستغلونها في معاركهم الإعلامية، لديهم صحف الأحزاب أو وسائل الإعلام التابعة لتلك المكونات الحزبية فلتكن هي ميدان حروبها ومعاركها وصراعاتها الإعلامية، وأما هذه المؤسسات فهي حقنا حق الشعب وهو أحق بها، وباختصار يمكن أن يكون الإعلام الرسمي مشكلةً فيما لو ظلّ ينظر إليه نظرة قاصرة أو ظل على حاله في عهد صالح، لكنه فيما لو تم استغلاله بذكاء يحمل حلولاً لكثير من المشاكل الثقافية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والفكرية، إلى درجة أنه يمكن أن يكون جزءاً من حل إشكالية (القاعدة) أو(القبيلة) أو(التطرف)، وجسر صوب الوعي الاجتماعي والسياسي، وطريقاً يوصل نحو الدولة المدنية...فماذا أنتم فاعلون؟! [email protected]