في اعتقادي الشخصي إنه لا يكفي أن تتوفر كل العناصر والعوامل الجاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى اليمن ما لم يتوفر هناك السلوك والنهج الحضاري المناسب الذي يمكن أن يتعامل مع المستثمرين ورجال المال والأعمال كوسيلة لتطوير آليات وإمكانيات الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته. ففي ظل غياب مثل هذا النهج لن نستطيع اجتذاب مزيد من الاستثمارات الجديدة التي يمكن أن تنساب إلينا، بل يمكن أن تهاجر الاستثمارات الحالية مرة أخرى إلى غير رجعة وخصوصاً الأموال القادمة من خارج الحدود أو أنها يمكن أن تذهب إلى قطاعات هامشية وتستثمر في مشاريع غير مجدية لا يستفيد منها سوى بعض المتنفذين والفاسدين من العيار الثقيل وحرمان الاقتصاد اليمني منها. ونظراً لغياب السلوك الحضاري المطلوب في التعامل هناك تذمر وعزوف لدى بعض المستثمرين المحليين والأجانب ومن رؤوس الأموال اليمنية المهاجرة في الخارج من الاستثمار في اليمن في ظل وجود بيئة طاردة للاستثمارات والتي وضعت أموالها في دول أخرى، حيث يجب أن لا تتجه تلك الأموال وأجزم بالقول أيضاً أن هناك أموالاً أخرى أنفقت في مشاريع ولكن بطريقة تدل على الهدر وعدم التبصر والكفاءة أدى إلى زيادة تكاليف تلك المشاريع وتعثرها أو عدم جدواها لأسباب تتعلق بقصور دراسة الجدوى الاقتصادية ونتيجة عمل تصورات وردية عن أدائها ضمن تصورات وخطط غير دقيقة، ولكن مع وجود إمكانيات ومقاييس مقدور عليها مالياً وإدارياً غير أن تلك النتائج كانت تشير إلى عكس تلك التوقعات من خلال زيادة التكاليف وانخفاض المردود الاقتصادي عما كان متوقعاً له خلال فتره الدراسات، غير أن الأسباب والعوامل الأخرى قد أدت إلى النتائج العكسية والتي اتصفت بعدم الكفاءة والقدرة والإخلاص عند إعداد الدراسة وإلى قصور الإحصاءات والبيانات الاقتصادية الكافية، وكان من المفترض والمفيد لتلك المؤسسات التي اعتمدت أو أعدت تلك الدراسات أن تقوم بتحسين توقعاتها وتنبؤاتها سلفاً حتى يتم إنجاز هذه المشاريع، وهناك أمثلة كثيرة لعدد من المشاريع التنموية والإنتاجية والخدمية والتي تم بموجبها توظيف أموال كبيرة في مشاريع غير مجدية أيضاً في القطاع العام والخاص. هذه الأساليب والأدوات لا تعد اليوم من أدوات جذب الاستثمارات الناجحة إلى البلد المضيف للاستثمار، بل تسيء للبلاد نفسها لاعتبار أن القائمين والمشرفين على تلك الاستثمارات كانوا غير واقعيين، وهذا الأمر سوف يترتب عليه عدم توظيف أية استثمارات جديدة أخرى ويمكن أن تكون الكارثة الكبرى أنهم يمكن أن يقدموا على تشويه سمعة الاستثمارات في البلد المضيف وهو ما سوف ينعكس سلباً على مستوى ودرجة تعامل الجهات المعنية بالاستثمارات مع المستثمرين القادمين الجدد، وفي حالة اليمن مثلاً ينبغي على الحكومة اليمنية الاهتمام الكافي والقيام في تبسيط وتسهيل الإجراءات وإعادة النظر في السياسات والتشريعات القائمة لهذا الغرض وإبعاد أو تجنيب المتنفذين في الإدارات الحكومية المعنية بالاستثمار والذين لايزال لهم دور رئيس حتى اللحظة في ابتزاز المستثمرين وتعقيد وتطويل الإجراءات الإدارية وغيرها ويقفون حجر عثرة أمام زيادة تلك الاستثمارات من خلال فرض المزيد من الإتاوات والرشاوى على المستثمرين قبل أن يبدأ أصحاب تلك المشاريع بالبدء في إقامة مشاريعهم الاستثمارية لتوفير الموافقات اللازمة لهم لإقامة تلك المشاريع، وهذا يعني من وجهة نظر المستثمر زيادة تكاليف وأعباء إضافية جديدة تضاف إلى التكلفة. لذا فإن دراسة الجدوى الاقتصادية هنا أصبحت غير ذات جدوى، ومن ثم فإن العائد المتوقع لا يكون واقعياً أو مفيداً، كما أن الحكومة معنية في إرساء قواعد حماية حقوق الملكية الفكرية واتباع أفضل الممارسات والمعايير الدولية في فض النزاعات التجارية وتحقيق العدالة والمرونة في بيئة ممارسة الأعمال وإرساء مبادئ الإدارة الرشيدة واتباع وتطبيق حزمة من السياسات والبرامج الاقتصادية التي من شأنها نقل التقانات والتكنولوجيا المتقدمة والمهارات الإدارية والفنية المصاحبة للمشاريع الاستثمارية وتطويرها.