بعد إزالة المتارس من الشوارع والأحياء السكنية وإخراج المسلحين منها، سيبقى أمام اللجنة العسكرية مهمة إخلاء العمارات من المسلحين والجنود الذين انسحبوا من الشوارع ودخلوا إلى المباني القريبة التي فُتحت لهم ليمكثوا فيها وتحديداً في العمارات التي يمتلكها مناصرو هذا الطرف أو ذاك. ثمة (بدرومات) تحولت إلى ثكنات عسكرية انسحب إليها المسلحون بالزي الرسمي أو بالزي المدني، ولكنهم ظلوا في نفس المناطق، وكل ما حدث هو انسحاب من الشارع فقط، والحقيقة لا يفهم الكثير من الناس سر هذا الإصرار الذي يبديه البعض للبقاء في تلك الأماكن وكأنهم في مناطق حدود مع دولة أخرى معادية.. وهو ما يدلل على حجم الخلاف بين الطرفين المسيطرين على القوات المسلحة. هذا الوضع المتمثل في سيطرة كر طرف على جزء من العاصمة واعتباره جزءاً من أراضيه الخاصة وإصرارهم على البقاء في أماكنهم ولو في العمارات و(البدرومات) يؤكد ضرورة استبعاد القيادات التي حَوّلت العاصمة وغيرها من المناطق والمدن إلى مربعات عسكرية والتمسك بمناطق سيطرتها بصورة تبعث على الاستغراب والدهشة. الحل الأمثل للخروج من دائرة المتارس والتمترس في العمارات ونشر المسلحين بأي شكل من الأشكال هو إزاحة أطراف الخصومة الشخصية والحسابات الخاصة حتى لا تستمر البلاد رهينة لهذا الحال.. السياسات التي ينبغي تنفيذها من خلال حكومة الوفاق يفترض أن تكون نابعة من المصلحة العامة للبلد والناس ومن أجلها، بعيداً عن فكرة الحكم بالإنابة وحكومات الظل والمحركات الخفية. كيفية عمل الحكومة الحالية ليست خافية ولا غامضة، واعتقاد البعض بأن الناس لا يفهمون ينطوي على غباء فاحش، وما حدث خلال الفترة الماضية من عمر حكومة الوفاق كشف حقيقة أن البلد تدار بالوكالة وأن في الحكومة من هو موظف عند طرف من أطراف الأزمة وليس مسئولاً في حكومة وفاق. صراع النفوذ الذي يدور حالياً يؤسس لمرحلة غير مستقرة لم تبدأ بعد رغم عدم الاستقرار الراهن، لأن حكام الظل ومسيرة الأوضاع هم في الأساس جزء من الأزمة، بل الأزمة كلها. الحديث عن الحقد الشخصي ليس سياسياً ولا ينبغي أن يتحول إلى برنامج عمل ينفذه من يشغل منصباً حكومياً أو عسكرياً، هذه هي مشكلة اليمن الحقيقية عندما تتحول مقدرات الدولة إلى ساحات صراع شخصية وتستخدم لتصفية أحقاد خاصة. الضغط الدولي الذي يدفع نحو تنفيذ خطوات المبادرة الخليجية سيتلاشى في نهاية المطاف، وما لم تكن هناك قناعات عند سائر الأطراف لنبذ الصراعات العائلية والقبلية والتأسيس لدولة لا تُحكم بالنفوذ ولا تُدار بلغة الأحقاد ولا تُسيّر بما يخدم مصلحة طرف أو أكثر على حساب المصلحة العامة. خلال فترة شبح الحرب وانتشار المتارس من البداية إلى اليوم خسرت البلد الكثير ومازالت تخسر وسوف تستمر الخسارة طالما ظل أطراف الصراع في مواقعهم وخلف البندقية والرشاش.