الدعوة إلى الهيكلة التي تطلق اليوم وتتردد في جميع مؤسسات الدولة لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت من منطلق الحرص على تحصين البلاد من الفساد والمفسدين وإحقاق الحق ونبذ الفوضى وصياغة القواعد والأخلاقيات التي تحكم هذه المؤسسات. وهيكلة وسائل الإعلام بعد هذه الثورة العظيمة يعتبر جزءاً مهماً من منظومة الدولة الحديثة التي ننشدها جميعاً؛ حيث أصبح ضرورة وطنية.. خاصة بعد المستوى الباهت والمخزي الذي ظهر به الإعلام اليمني خلال فترة الثورة وانحيازه السافر بكل وسائله في التسويق للنظام وللحاكم أكثر من وقوفها إلى جانب الشعب وحقوقه ومطالبه. إن الدعوة إلى هيكلة وسائل الإعلام لا يقل شأناً عن الدعوة إلى هيكلة الجيش أو الأمن؛ فالإعلام يكاد يكون تأثيره وخطره أقوى من خطر الدبابة والمدفع. إن الهيكلة الإعلامية التي يطالب بها الجميع تهدف إلى ضبط العملية الإعلامية مالياً وفنياً وإدارياً بالشكل الذي يمكن هذه الوسائل من القيام بدورها الاتصالي المطلوب، ويسمح لها بمنافسة المؤسسات الأخرى.. إضافة إلى مساعدة هذه المؤسسات في الخروج من عباءة وزارة المالية، ولكي تصبح المؤسسات الإعلامية مؤسسات إيرادية مستقلة مالياً وإدارياً. حينما ترتفع أسواطنا أيها السادة بالمطالبة بإعادة هيكلة الوسائل الإعلامية، فإننا نهدف بذلك إلى ترتيب العلاقات الرسمية بين المؤسسات الإعلامية وبين المؤسسات والهيئات الحكومية الأخرى وخاصة وزارة الإعلام، وعلاقة هذه الوسائل بالأشخاص أياً كانت مراكزهم ومواقعهم داخل الدولة. الهيكلة تلعب دوراً كبيراً في التحكم في تخفيض التكاليف لهذه المؤسسات، كما تؤدي إلى تحسين كفاءة الأداء وإعادة تأهيل العاملين داخل المؤسسات. الهيكلة ستجد حلاً لكل المشكلات المتعلقة بكفاءة الإدارة، وستتخلص هذه المؤسسات من كل أنواع الفساد. بالهيكلة ستتحول هذه المؤسسات إلى مؤسسات منتجة وإيرادية من خلال تهيئتها وتسويقها بشكل جيد؛ حتى تكون قادرة على إنتاج وتسويق المواد الإعلامية. بالهيكلة ستتخلص هذه المؤسسات من العمالة الزائدة وستساعد في زيادة معدل الدوران وزيادة الكفاءة المهنية. بالهيكلة سيعاد النظر في قانون الأجور ونظام الحوافز. بالهيكلة سيتحقق لكل موظف نصيبه من التدريب والتطوير وتنمية القدرات. إن هيكلة وسائل الإعلام التي يطالب بها الجميع تقع على عاتق جميع العاملين في هذه المؤسسات من إداريين ومهنيين إلى جانب القيادات الإعلامية والأكاديمية وأساتذة الإعلام من جميع أنحاء اليمن، حتى تكون القرارات والنتائج معبرة عن الحاجة الحقيقية لوجود إعلام وطني حر، يعبر عن كل اليمن وكل اليمنيين. ومن أجل ذلك كله يجب أن تتم هذه الخطوة وبأسرع وقت ممكن.. من خلال دعوة جميع الإعلاميين والمهنيين إلى الجلوس في ندوات وحلقات نقاش تطرح فيها جميع الآراء التي تساعد في إنجاح هذه المهمة. فبهيكلة الإعلام وترتيب البيت الإعلامي من الداخل سيمهد الطريق أمام بقية المؤسسات والهيئات للقيام بإعادة ترتيب أوضاعها.. وسيكون الإعلام بجميع أجهزته عوناً لهذه المؤسسات في الدعم والتسويق والتشجيع لهذه المهمة. يجب أن يتخلى الجميع عن مصالحه الشخصية الضيقة، ويقدم مصلحة الوطن ولو لمرة واحدة..!! ويترك لهذه المؤسسات الحرية في إعادة ترتيب أوضاعها؛ لتساهم في دفع عجلة التنمية لهذا الوطن الذي تأخر كثيراً. ختاماً أقول: يجب أن يعود الحق لأصحابه؛ فالإعلام هو حق الشعب الذي ظل مسلوباً عنه طيلة العقود الماضية.. ولن يقوم هذا الإعلام بدوره إلا من خلال إعادة النظر في رسالته واستراتيجيته المستقبلية. [email protected]