تتوالى المُعالجات البصرية الإبداعية في عموم العالم العربي الدولة لتُحيل أيام الربيع الزمني إلى ربيع ثقافي حقيقي. فقبل أيام كانت الندوة الدولية لفن الحروفية “الكلوجرافي” العربية، ذات الصلة بالفنون البصرية المتنوعة، وعلى هامش الندوة انتظمت سلسلة من العروض الفنية التشكيلية الحروفية، فيما تعانقت مع أيام الشارقة التراثية لتشهد الساحة الثقافية العربية مصفوفة من القيم الفنية المتنوعة ذات الصلة بالتراث والمعاصرة. وبالتوالي تمدّدت الفعاليات الفنية التشكيلية بأنواعها، لتشمل فنون التصوير الضوئي واللوني، ولتُسافر في دروب الواقعية الفنية، والتجريد، والترميز، وحتى المفاهيمية البنائية، التي أصبحت تتوفُر على عوامل إبهار غير مسبوقة، مداها الوسائط المتعددة، وما تقدمه من خيارات وبدائل لامتناهية . هذه المنظومة من الانبثاقات الفنّية البصرية اتّصلت وتتّصل حتماً بالقضايا المفاهيمية الكُبرى التي تتمرأى أمام ناظرينا، فنحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى مُخاطبة ذواتنا القلقة المُتسائلة، وإلى استعادة التجارب الإنسانية الفنية ذات الصلة المؤكدة بأسئلة المعرفة والوجود والتاريخ، وأن نستقرئ العصر بروحية الرائين للتّقلبات والتطورات العاصفة، حتى لا نغرق في السيل الجارف لعوامل التجديد والتجدُّدْ، الموضوعية منها حيناً، والمُخاتلة أحايين أُخرى، وأن نمتلك الأسباب العميقة لاستكناه جوهر التطور واستحقاقاته العارمة. ذلك ما يُفترض أن نعمله في إطار تواصلنا المعرفي الممارسي على خط الفنون المختلفة .. المرئية بعدسات المعاني .. النابعة من الفكر والقيم والدلالات. وفي هذا الملعب الواسع للفعل الخلّاق الكثير الكثير من المبررات للتساؤل الدائم، والتطوير المستمر، على قاعدة الإبحار في الذات التاريخية، والإنسانية التي تتمدّد في زمن العولمة بقوة دفع لا مردّ لها. كانت الفنون وما زالت رافعةً كبيرة من روافع السؤال الفكري الفلسفي والوجودي أيضاً.. هذا ما حصل في عصور التنوير الأوروبية والعربية، وهذا ما حدث أيضاً على عهد البرجوازية المركانتيلية العالمية، عندما انبرى فنّانو التأثير والانطباع في تخطّي ثوابت الفن الكلاسيكي والنيوكلاسيكي، وهذا ما حدث بُعيد حربي الجنون العالميتين، عندما نشأت تيارات الاحتجاج والتعبيرية الصاعقة، باحثةً عن جواب لمحنة الحربين الكونيتين، وهذا ما يحصل اليوم ونحن على عتبة منطقة رمادية مُترعة بالحيرة والقلق. [email protected]