أكتب هذه المادة الانطباعية عطفاً على استرجاع لزورة كانت في عام 1996م لليابان، وبدعوة من شركة سوني العالمية التي حرصتْ على استضافة كوكبة من الصحفيين من مختلف أرجاء العالم، وذلك بمناسبة مرور خمسين عاماً على إنشائها، وقد كنت من بين المحظوظين بهذه الزيارة التي أفادتني في التعرُّف على نمط الحياة اليابانية المُغايرة لكثير من الأنماط التي عرفتها في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وقد تواترت تلك الانطباعات منذ زيارة موقع شركة سوني في مدينة جبل علي بدبي، وكانت الهدية المقدمة لنا في ذلك الحين تمثل تحدياً صحفياً حقيقياً .. كانت الهدية أول مسجل للصوت يتم بواسطة الاسطوانات المضغوطة، ويتمتّع بحساسيّة فائقة، وميزات لم تكن معهودة حينها في مسجلات الصوت الصحفية، ولقد تبيّنت بلاغة الإشارة بعد وصولنا إلى طوكيو العاصمة، حيث زرنا متحف سوني، وهو عبارة عن معرض استعادي لمنتجات الشركة منذ تأسيسها عند خواتم الحرب العالمية الثانية، وبالترافق مع قنبلتي هيروشيما وناجازاكي اللّتين أفضتا إلى استسلام اليابان وفق شروط اليانكي المنتصر، ولكن دون استسلام استراتيجي ، وهو ما تبيّنته من خلال كتاب السيرة الذاتية لمؤسس الشركة الذي تحدث عن فكرة إنشاء سوني بوصفها الجواب الناجز على القنبلتين، والتحدي التكنولوجي الذي سيعيد لليابان مكانتها، وهذا ما كان، فبعد عقد واحد من الزمن كانت سوني السبّاقة عالمياً لإنتاج أول راديو جيب ترانزستور، وأهدته إلى إمبراطور اليابان، وكان ذلك الراديو بمثابة الإنطلاقة الكبرى نحو التميز العالمي في الأجهزة صغيرة الحجم، والوعد الحق الذي قطعه مؤسسو الشركة على أنفسهم، وبعد عقد آخر كانت سوني تواصل المشوار باجتراحها التالي، وتُبادر بإهداء الرئيس الأمريكي جون كندي أول تلفزيون صغير محمول، ويمكن التجول به في أي مكان. كانت تلك العتبة التالية للوعد، حتى أن كبار منتجي التلفزيونات بالولايات المتحدة أُصيبوا بدهشة ممزوجة بالغيرة، وأطلقوا على تلفزيون الرئيس الأمريكي ذي المنشأ الياباني «كلب كنيدي» لأن الرئيس كان يتجوّل به في حله وترحاله. منجزات سوني عند عتبتي العقدين الأول والثاني من تأسيسها ما زالت تتواصل، وهي تعبير مكثف عن الإرادة والإصرار، وعدم التخلّي عن الأهداف الكبرى، والنجاح الحقيقي. سوني ليست إلا نموذجاً واحداً في هذا الباب، فالشركات اليابانية الكبرى تتشارك هذه الثقافة الريادية. [email protected]