لماذا لم تتمكن الطبقة السياسية في اليمن من طرح مشروع بناء دولة رأسمالية عبر مرحلة انتقالية وهي التي تعيش وتتنفس في هامش الرأسمالية، وتتطلع إلى الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية إحدى مؤسسات الرأسمالية المتعولمة؟ وهل يمكن استدعاء هذا المشروع للخروج من مساوئ الدولة الطائفية ومنظوماتها السياسية، والتي حان الوقت لاختفائها من متن المنطقة؛ لأنها في اليمن عبارة عن سلسلة من الحروب والتي تتضاعف فواتيرها كلما طالت وتمسك بها العصبويون المتخلفون؟. يرفض العصبيون الانتهازيون وهم قلة يقفون على قمة هرم المجتمعات في المنطقة الجبلية القبلية، أطروحة الحلحلة نحو مرحلة انتقالية تمهيداً لبناء دولة رأسمالية في اليمن يكون حاملها إنصاف المناطق الحضرية من المظالم التاريخية التي نجمت عن سياسة القوة والقهر والغلبة والغزو والاحتلال والظم والإلحاق القسريين، ولهم ذرائعهم، ومن أبرزها أنهم أبقوا عمداً على مجتمعاتهم ترزح تحت وطأة النظام الاجتماعي القبلي وثقافته الهمجية، لكي تبقى سيطرتهم دائمة وثرواتهم متراكمة وحروبهم لا نهاية لها. وهذا الوضع لم يعد مقبولاً في العصر الراهن خاصة ونحن نشاهد سكان المناطق القبلية الجبلية يعيشون حياة القرون الوسطى، ويمكن أسوأ من تلك الحياة بسبب تزامن وجودهم الاجتماعي مع رياح العولمة العاصفة، وبقاء هكذا حال يمكن أن يؤدي إلى انقراضهم، ولذلك فإن المرحلة الانتقالية المرحلة الأولى من الرأسمالية تتيح تحول هذه المجتمعات بقليل من الأضرار والكلفة، من المجتمعات القرووسطية التقليدية إلى المجتمعات المدنية الحديثة، وهو التحول الذي تشكّل الطبقة البرجوازية وعلاقاتها الإنتاجية والاجتماعية رافعته التاريخية. والدولة الرأسمالية وعلاقات الإنتاج والاجتماع هي الآن تمثل المخرج وتقود إلى تحويل علاقة الدولة الحالية المتداعية بالمجتمعات من علاقة تقوم على العنف وعلى القوة والقهر والغلبة والإقصاء والإبادة إلى علاقة تقوم على النظام والقانون. والخصوصية هنا هي في التباين بين المسارح الديمغرافية التي قامت فيها هذه الدولة، والتي ينبغي إزاحتها من طريق العلاقات السلمية وطريق التنمية البشرية المستدامة والاستخدام الرشيد للإيرادات، والمقصود هنا الدولة العصبوية المتخلفة، واحترام الإنسان بوصفه الصانع الأول للدولة. وقد استخدمت الدولة العصبوية المتخلفة هيئات نظامية حديثة كالجيش والأمن والإعلام والتعليم لإعادة إنتاج منظوماتها السياسية وهيمنة مركزها السياسي المتخلف، وكان أمام العصبويين الانتهازيين الذين وقفوا على رأس السلطة التنفيذية اهتبال فرصة الوحدة واستيعاب المعطيات التي دفعت بها إلى الاقتراب من رؤية هذا المشروع، بدلاً من شن الحروب ومضاعفة العدائيات وتكريس الشقاق وثقافة الكراهية، اعتقاداً منهم أن ذلك سوف يدعم صيرورة دولتهم. ولكي يبدأ مخاض الدولة الرأسمالية يأخذ طريقه العملي والتدريجي فإن مناخ العلاقات الدولية والعولمة يدعم هذا المشروع بل يعبّد الطريق أمامه، وبحكم أن العملية السياسية في اليمن أضحت تحت الوصاية الدولية فمن الضروري: أولاً: استعداد أصحاب الأموال في المنطقة الجبلية – القبلية، والذين لم يستخدموا هذه الأموال في مجال الاستثمار والتنمية, لتقبل انتسابهم إلى الطبقة الرأسمالية، وبالتالي الانقطاع عن الإقطاع السياسي المتسول من خزانة الدولة ومن خزائن الدول المجاورة. وأعتقد أن مناطق كمأرب والجوف وصعدة وذمار تمتلك أراضي واسعة وخصبة وفيها أحواض واعدة من المياه، إضافة إلى ثروات معدنية تكتشف يوماً بعد يوم بفضل التقنية الحديثة, ولنتصور أن هؤلاء الأثرياء استثمروا أموالهم في الزراعة في هذه المناطق، فكيف ستكون أوضاع السكان الذين سيجدون فرص عمل كريمة ودخول مستقرة؟. سوف تبدأ التحولات الجذرية في نمط الحياة كلها؛ لأن الإنتاج الزراعي الممكنن ينتزع القبلي من قبائليته ويزج به في أتون علاقات إنتاجية رأسمالية والتي هي حامل الثقافة المدنية - الرأسمالية. انتقال هؤلاء الأثرياء من صحن العلاقات القبائلية إلى صحن العلاقات الرأسمالية واحد من الشروط الضرورية لانتزاع المنطقة الجبلية - القبلية من براثن التخلف وضمان لعدم اضمحلالها وانقراض سكانها؛ لأن التطور لا يرحم الذين يسيرون الهوينى, ولا يمكن الاعتماد على المداخيل الوهمية.. وبقاء هؤلاء الأثرياء التغذي من تخلف سكان مناطقهم وخزن ثرواتهم يدفع المجتمعات في المسارح الديمغرافية الحضرية إلى فك الارتباط معهم كضرورة من ضرورات صيرورة الحياة، ومن ثم سيدفعهم إلى بناء دولهم والتي شروطها مكتملة, وهذا الخيار مكلف ولن تكون الأوضاع آمنة ولا ينبغي النظر لهذه الرؤية بتهكم أو اللامبالاة؛ لأن عقارب الساعة لا تتجه نحو الخلف أبداً. يتبع...