اعتمد النظام السابق في إدارة البلاد على نظام الوصاية في إدارة شئون المحافظات، وذلك من خلال الاعتماد على شخصيات من الوزن الثقيل مهمة كل واحد منهم تحمل مسئولية المحافظة التي ينتمي إليها أو التي له تأثير على قوى النفوذ فيها، فصار لكل محافظة وصي هو من يرشح المحافظ ومدير الأمن ومدراء المديريات وحتى مدراء ووكلاء المدارس، ولا يكاد يمر قرار تعيين في أي مكتب داخل المحافظة إلا بعد موافقته إن لم يكن هو مصدر الترشيح والتعيين والعزل دونما اكتراث لوجود محافظ أو جهات رسمية معنية بالتعيينات وكل ما يتعلق بشغل الوظائف العامة، وصار لكل وصي زبانية في كل مديرية يطلعونه على الأخبار أولاً بأول وعلى ضوء هذه التقارير تتم التعيينات وتمنح الترقيات وأيضاً تتخذ قرارات العزل والإقالة، فالوصي على المحافظة سلطاته فوق سلطة المحافظ وتوجيهاته مقدمة على توجيهات المحافظ، والأخير أضحى مجرد عبد مطيع لأوامر الوصي لضمان منحه شهادة حسن سيرة وسلوك أمام الرئيس والتي تؤهله للبقاء أطول فترة ممكنة في منصبه حتى ولو كان لا يعرف “كوعه من بوعه” ولا يمتلك القدرة على إدارة مدرسة أساسية فكيف بإدارة محافظة بأكملها، المهم في الموضوع أن يضمن الوصي تأييد وولاء أبناء المحافظة خلال المواسم الانتخابية و”مدلهمات الأحداث”. ودرجت سياسة الدولة على هذا الأسلوب وهو ما أدى إلى تضخم في نسبة الفساد نتيجة للممارسات غير السوية والقرارات الخاطئة والتعيينات العبثية وحالات الإقصاء للكوادر الوطنية المخلصة، حيث تحولت أغلب المحافظات إلى بؤر للفساد والعبث بالمال العام نتيجة شرعنة الأوصياء عليها للفوضى ووقوفهم في صف مفتعليها ومساندتهم إياهم ومنحهم مختلف أوجه الدعم والإسناد والحماية والحصانة، وكل ذلك أوجد لدى المواطنين حالة من الغبن والكبت في ظل انعدام مؤشرات إصلاح الأوضاع، وهو ما جعل الكثير منهم يخرجون عن صمتهم ويعلنون رفضهم لهذه السياسة البلهاء التي تتعامل معهم على أنهم قطيع من الماشية ليس لهم مشاعر ولا أحاسيس، ويطالبون بدولة يحكمها النظام والقانون وتسودها المساواة ويتم فيها تفعيل دور المؤسسات الدستورية والحكومية ومنع التدخلات في شئون المحافظات أياً كان مصدرها وتفعيل دور السلطات المحلية وعدم استغلال الوظيفة العامة والمال العام لخدمة أهداف ومصالح سياسية أو حزبية أو شخصية. وإن المتغيرات التي شهدتها ولاتزال الساحة المحلية تمثل دافعاً هاماً للقيادة السياسية الجديدة ممثلة بالمشير عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية لإلغاء سياسة إدارة المحافظات عبر نظام الوصاية، فلم يعد هناك أي مبرر للوصاية بعد أن تم نقل السلطة ودخول أطراف العملية السياسية في مرحلة وفاق على ضوء المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمّنة، فالمحافظات اليمنية لا تحتاج إلى أوصياء يصادرون ثرواتها ويستغلون خيراتها ويتحكمون في قراراتها ويتحدثون باسمها، المحافظات اليمنية بحاجة إلى محافظين تتوفر فيهم مواصفات القائد الناجح القادر على إدارة شئون المحافظة وحل مشاكل أبنائها دون الحاجة إلى “شد الرحال للعاصمة صنعاء لتقديم الشكاوى للرئيس أو الوزراء أو النواب، فالمحافظ الناجح لايحتاج إلى وصي ولن يقبل على نفسه ذلك لأنه يعي جيداً معنى أن يكون مجرد “كومبارس”. والكرة اليوم في ملعب الرئيس هادي فيما يتعلق باختيار المحافظين، فلا نريد أن تتحول المحافظات إلى أسهم يتقاسمها المؤتمر مع المشترك، فالمرحلة مرحلة وفاق والمحاصصة في هكذا مناصب لا تخدم عملية الوفاق وإنما ستكون من الأسباب التي ستقود إلى انفجار الأوضاع في المحافظات وإشعال الصراعات والمشاكل التي لا حصر لها ولا عدد، والتي ستؤثر سلباً على عمل الحكومة وتؤثر على أمن واستقرار البلاد، ولذا فإن على الرئيس هادي أن يكون حازماً وهو يتعامل مع ملف تعيينات المحافظين. نريد أن تخضع هذه التعيينات لمعايير الكفاءة والقدرة على تحمل المسئوليات وخدمة المواطنين، ولا نريدها أن تخضع لمعايير سياسية أو حزبية، لأننا بذلك سنعيد صناعة أوصياء جدد كما كان في السابق وهذا ما لا نرضاه ولا نرتضي به على الإطلاق، لأننا تجرعنا منغصات وغصص أوصياء الأمس ولانزال حتى اليوم نكتوي بنيران إفرازاتها العفنة، ولن نقبل بأية وصاية من أي طرف كان بعد اليوم.