الحلول التي بدت سهلة وممكنة بدأت تتعقد، وفي المقابل ظلت المشكلات المعقدة على حالها ولم يظهر ما يوحي بإمكانية تجاوزها في أقرب وقت، ولم تتراجع بعد حدة الاحتقانات السياسية والشخصية التي تلقي بتبعاتها على كل الجوانب، وفي ظل هذا الوضع تتراجع مساحة الأمل التي رأيناها واسعة وربما شاسعة في وقت مضى، لكنها مع ما تشهده الأيام من بطء حركة الحلول تضيق تلك المساحة فتطرد مشاعر الأمل والتفاؤل، وتستعصي الأوضاع على فهم ما يحدث فيها وإلى أين تتجه بنا الأحداث؟ الحلول التي لم تعد سهلة كما هي على أوراق المبادرات والتفاهمات وكما هي في ظاهر التصريحات والتصرفات سوف تقود المعقد منها إلى مزيد من التعقيد وصولاً إلى الانغلاق، وما بعد الانغلاق سوى الاختناق وصولاً إلى الصراع والاقتتال وبعد ذلك تصبح كل النتائج ممكنة وجائزة. تعقيدات المشكلات والحلول مرتبطة بأشخاص ومراكز قوى حوّلت السهل إلى صعب والممكن إلى غير ذلك، وفي غمرة الصراع من هذا النوع تتوالد مشكلات أخرى وتتعقد حلول كانت بالأمس سهلة وتظهر قضايا كانت غير واردة ولم تخطر على بال المختلفين والمتصارعين، وأخشى أن يدرك هؤلاء بعد فوات الأوان، ولا أستبعد أنهم يدركون هذا الأمر ويسعون لإغراق البلد في مستنقع التعقيدات! وإذا ما اقتربنا أكثر من جوهر المشكلة سنجد أن بطء حركة الحلول الوطنية تأتي من نوايا سيئة تجاه الآخر، ومحاولة إقصاء الآخر صارت سياسة ممنهجة لا يغض منها طرف ولكنها أكثر وضوحاً عند البعض الساعي لتصفية حسابات قائمة على مواقف خاصة، وهو تكرار لأخطاء سابقة نراها اليوم ومن قبله جسيمة ومسألة تكرارها تجعلها أكثر جسامة في كل الأحوال. يتركز الصراع في العاصمة ويأخذ طابعاً قذراً حين يتجاهل أطرافه انعكاسات هذا الصراع على مصير البلد والناس، ما يعني ظهور مشكلات لا يمكنها الانتظار حتى يفرغ المتصارعون في صنعاء، ولا يمكن بقاء الناس ومستقبلهم رهن خلافات صنعاء. سياسة الإقصاء التي يمارسها السياسيون معروفة ولها تاريخها المحكوم بالغباء على أصحابه، ولكن ماذا عن هذه السياسة حين تأتي من مفكرين أو مثقفين تجاه أمثالهم وتجاه زملاء المهنة استنساخاً لسلوك السياسيين وممارسة له في قطاعات لا تقبل بهكذا سياسة! هذا الخلط أو الاختلاط أو حتى تعمّد الفعل ذاته معناه سقوط الكثير من المفاهيم والقيم التي تحافظ على بنيان المجتمع وسلمه الاجتماعي وتمارس نوعاً من التقويم هو الذي يحدث الآن ويسعى البعض لممارسته انتقاماً ممن يخالفونهم الرأي أو يعتقدون أنهم يخالفونهم. اجتماع شكلي الإقصاء السياسي والثقافي وصولاً إلى الإقصاء الوظيفي سوف يجعل البلد على شفير جهنم، ولن نجد من يقف ضد الصراع كلما اتسعت دوائره لتشمل الجميع وينقسم المجتمع إلى ظالم ومظلوم وفئات ظالمة وفئات مظلومة وهكذا حتى تغلق أبواب الحلول وتستعصي جميع المشكلات.