ما يجري في اليمن من نشاط إرهابي يزداد كل يوم شراسة وتتسع رقعته.. إلى جانب الحرب الضارية التي تخوضها قوى الجيش والأمن ولجان الدفاع الشعبية ضد تنظيم القاعدة الذي يعمل بكل ما أوتي من قوة لزعزعة أمن واستقرار اليمن، مستغلاً الأوضاع الأمنية القلقة فيه.. وبالتالي زعزعة أمن واستقرار المنطقة وتهديد المصالح الغربية.. إلى جانب مايعانيه اليمن من اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية جراء الأزمة التي مضى عليها أكثر من سنة وخمسة أشهر.. وماخلفته من تداعيات في مختلف المجالات وعلى وجه الخصوص في الجانب الأمني الذي شهد تصدعاً مخيفاً.. كل ذلك يتطلب العمل على تقديم المزيد من الدعم والتعاون لضمان استقرار اليمن، وأن يكون هذا الدعم غير مرهون أو محكوم بإرادة ومصالح وتوازن قوى دولية لا يهمها سوى توفير الضمانات الكافية واللازمة لاستمرار تدفق النفط وأموال النفط إلى أسواقها وشريانها الإقتصادي، وان لا تطغى الحسابات والاعتبارات الأمنية عند قيادات الدول الكبرى في قراءاتها وتعاطيها ومواقفها العملية في التعامل مع الأحداث والتطورات على الساحة اليمنية دون الأخذ بعين الإعتبار جذورها وأسبابها الحقيقية ومساعدة البلد على معالجتها؛ فاستمرار الفقر وزيادة نسبة البطالة وتفشي ظاهرة التطرف والإرهاب والتزايد المستمر في عدد السكان بنسبة نمو تكاد تكون الأكثر في العالم، من الأسباب التي ستظل تؤثر على استقرار اليمن والمنطقة.. وبالتالي تؤثر سلباً على الأمن الإقليمي بمفهومه الشامل الذي ظل على الدوام مجرد رؤية نظرية استراتيجية عاجزة عن تحقيق أمن واستقرار شعوب المنقطة، ولم يتجاوز في إطاره العملي السائد حدود الاتفاقات الثنائية المكرسة أساساً لاحتواء ومعالجة الاختلالات والإشكالات الآنية وفق آلية مرحلية مرهون تنفيذها بطبيعة الحالة السياسية السائدة على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية. صحيح أن اليمن كنظام اجتماعي وسياسي يختلف عن محيطه.. لكنه حقيقة جغرافية وديموغرافية وسياسية واقعية.. ومكمل لإطاره الإقليمي ويمثل حلقة محورية ورئيسة في سلسلة الأمن والإستقرار الإقليمي وضعفه إضعاف لهذه السلسلة.. وقوته قوة لها شئنا أمْ أبينا، وقد أكدت حقائق التاريخ بما لا يدع مجالاً للشك أن أمن واستقرار المنطقة مرتبط ارتباطاً وثيقاً إلى حد بعيد باستقرار اليمن، وأن معالجة هذه الإشكالية والصراع المزمن لن يتأتى إلاّ من خلال إيجاد الأسس الحقيقية والكفيلة بتجاوز الأوضاع المتأزمة في اليمن.. ومساعدته ضمن خطة شاملة ومتكاملة للنهوض به وبما يمكنه من الإلتحام بإطاره الإقليمي اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، باعتبار ذلك ضرورة حتمية لإستقرار هذا البلد وشرطاً لازماً لتنميته المستدامة، فالتحام اليمن بدول مجلس التعاون الخليجي مهم من منظور تعزيز كفاءته في مواجهة التحديات المعاصرة والمستقبلية؛ وعلى رأسها التحديات الإقتصادية والأمنية، ومهم أيضاً في صياغة رؤية يمنية خليجية جامعة في طرق التعامل مع كل الإشكالات.. ووضع السياسات وتصحيح اختلالاتها البنيوية والإدارية؛ لتصبح أكثر فاعلية في تجسيد تطلعات اليمنيين ومصالح الشعوب المجاورة. كل المؤشرات من حولنا توحي اليوم بوجود إمكانات واقعية وعملية لإقامة نظام اقليمي اقتصادي أمني سياسي متكامل يستوعب اليمن في إطاره الخليجي؛ فالحراك السياسي الإجتماعي الذي تشهده المنطقة وأحداثه وتفاعلاته وافرازاته المختلفة؛ وإن كان يعبر عن حاجة البلدان المختلفة إلى الإصلاحات الداخلية لتجاوز إشكالاتها وتعقيداتها المختلفة وتلبية متطلبات شعوبها المتنامية، فإنه في الوقت ذاته يُحتم ضرورة إيجاد الرؤى والقناعات لدى النخب السياسية للإسراع بهذه الإصلاحات من منظور أبعادها القطرية والإقليمية والدولية.. وتحديد واضح ومبكر لماهية وطبيعة وشمولية وعمق هذه الإصلاحات التي تُلبي رغبات واحتياجات شعوب المنطقة بشكل عام؛ فالمشكلة لا تختصر -كما يتصور البعض- في ترميم العلاقات بين الحكومات وشعوبها.. أو تلبية بعض المطالب الشعبوية أو العصبوية الضيقة؛ بقدر ماهي حاجة إقليمية وقومية ودولية تحتمها قوانين التطور، وينبغي لها ان تكون على أساس من التقييم الموضوعي للماضي والحاضر وبرؤى استشرافية للمستقبل تقوم على المواءمة والتكامل بين متطلبات وأبعاد الإصلاحات على الصعيد القطري ومتطلباتها وأبعادها على الصعيدين الإقليمي والدولي.. وتحقيق الحد الأدنى من شروط الأمن والاستقرار بمفهومه الإقليمي الشامل الذي يحقق لشعوب المنطقة الاستقرار والازدهار.. ويردم الهوة التنموية والإقتصادية فيما بينها؛ لأن ضمان الأمن المعاصر والمستقبلي للمنطقة يجب إن ينطلق أولاً وقبل كل شيء من حقيقة المتغيرات الكبيرة والمهمة التي طرأت على خارطتها بكل عناصرها ومكوناتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والأمنية، وان الكثير من مكوناتها السابقة قد اختفت أو تغيرت وحلت بدلاً عنها مكونات ومؤثرات جديدة.