ترى كيف كان سيكون شكل العالم اليوم لو أن الاتحاد السوفيتي هو من انتصر في الحرب الباردة مثلاً؟. سؤال أحمق يؤرقني، فيما مثلت مخرجات تلك الحرب نقطة تحول عاصف في أفكار العالم للسعادة ورؤية البشر للخلاص. صحيح أن حاضر ومستقبل العالم - الآن - كان قد تشكل مركزياً إثر بلوغ ذروة الصراع بين أيديولوجيتين متباينتين جداً، لكنهما متوافقتان برأيي ولو جزئياً، أي بشساعة اختلاف وتوافق العالم نفسه، بحيث تلتقيان - رغم كل شيء - في مسألة المصلحة الشرسة على الأقل، غير أن الأصح: استمرار تشكل جملة من الاحتمالات المضادة المفتوحة جراء حدث زلزالي القيمة كهذا بالمقابل، وأعني احتمالات مواجهة أو تحصين بسبب النتيجة التي أفضت إليها الحرب كان لابد منها في مجمل وعي الإنسان الذي لم يستسلم بعد ولايزال متطلعاً لما يحصن ذاته ومجتمعه من الاستلاب. كما يبدو جلياً اليوم أنه من الصعب إخماد تلك الاحتمالات دفعة واحدة ما بقي للبشرية إحساس ينتشر بالتأكيد رغم كل اللاجدوى التي تبدو متحققة للأسف، ولست متشائماً في هذا وبالذات بما ينطوي عليه حال مجتمعاتنا العربية المنجرفة عموماً. وبالطبع كان لكل معسكر مشاكله العميقة في ظل وعود كل منهما بتقديم حلول مهمة للإنسان والإنسانية؛ إذ كان للاشتراكية فضائلها وتوحشها، كما كان للرأسمالية توحشها وفضائلها أيضاً. كذلك فإن قيمة الإنسان والإنسانية ظلت تتأرجح على نحو حاد في مبررات ذلك الصراع بين المعسكرين اللذين جلبا للعالم الدوخة وغالباً الغيبوبة والصدمة بالتالي. الصراع الذي كان في كثير من مراحله أيضاً يقوم على إغراء الحلفاء سياسياً بالتجاذبات الفكرية والتنظيرية لتلبية حاجات الفرد في جهة ما أو حاجات المجتمع في الجهة الأخرى، وصولاً إلى ضياع المجتمع والفرد كثيراً في هذا السياق العميق الذي صار ماحقاً في كثير من جوانبه كما نعرف، حتى كان الأثر فادحاً ولا متوقعاً بمعظم بلدان العالم بسببه، خصوصاً مع تخلف الأنظمة العربية بالذات عن التواؤم الإدراكي والحيوي ما بين واقعية أوضاعها العامة وكيفية تحقق الدولة كما ينبغي، إضافة إلى بنيوية رغبات الفرد المثلى فيها، وما بين ما كانت تحمله رطانات الطرفين تجاهها من وعودات وأحلام ورؤى قاصرة ومغشوشة... إلخ، ولعل في هذا الخواء ما يفسر سهولة تداعيات العنف الطائفي لدى العرب الآن مثلاً. لكن بالفعل: ترى كيف كانت ستكون اليوم عالمياً سمات التحول الاجتماعي والممارسة الديمقراطية والبعد الإعلامي والتقني وأنموذج الاقتصاديات وهيئة التحالفات السياسية في حال خسران الولاياتالمتحدةالأمريكية لتلك الحرب المرعبة؟. الحرب التي هزت اليقين الأيديولوجي كله، كما كادت تشمل محو اليقين الذاتي الخاص للإنسان الأعزل، ما انعكس على المجتمعات الاستهلاكية البسيطة أيضاً أمام المجتمعات الإنتاجية المركبة، كما صار يحصل هنا وهناك.