لعل مخرجات الربيع العربي في مجملها إيجابية في هزّ وإسقاط عروش الجبابرة الذين لم يكن في حُسبان المواطن العادي أن يتساقطوا هكذا بين عشية وضحاها أو وفق محاولات استماتة لم تكن موفقة لبعض الجبابرة نتج عنها الكثير من إراقة الدماء والخسائر المادية الجسيمة. ولكن أين نحن الآن؟ تحديداً الشعوب التي مرّ عليها الربيع العربي بكل ما فيه من زخمٍ شعبيّ .. وندمٍ سلطويّ .. وتنشيطٍ عام في ذاكرة الشعوب .. وحالة تأهب قصوى في استخراج الحقوق عن طريق النزول للشارع .. والثأر العلنيّ من تخمة الكراسي والعيون الفارهة التي أكلت الأخضر واليابس من خيرات الشعوب. تونس مهبط انطلاقة الشرارة ربما هي الأكثر حظاً في الخروج بأقلّ الخسائر نظراً لهروب رئيسها المغضوب عليه .. وحتى في مآلها الحاليّ أظنها ستتجاوز ما يعتريها من إرباكات وأوجاع .. لكنّ جمهورية مصر وهي الأكثر زخماً واندفاعاً للشارع مازال مستقبلها على كفّ عفاريت .. ومهددة باستقرارها ومدى توحيد صفوف سياسييها .. وليبيا مازالت تدور في رحى الإنفلات الأمنيّ وقابضةً على قلبها بما يعتمل جرّاء الهواجس المحيطة بها من تشرذم وتشتت في كينونتها ومصدر خيرها .. وسوريا مازالت تحت خط النار والجرائم الإنسانية البشعة دون الوصول لرابيةٍ حقيقية تلتقطُ عليها أنفاسها من وعثاء الدمار اليوميّ. أما اليمن فمازالت تعصف بها مخرجات ثورة الشباب على أكثر من جبهةٍ مأساويةٍ تأكل من زاويتها كعكة الحصاد والإنبثاق .. والفجر الذي طال أمده وتجاذبته غيوم الفتنة وستائر العتمة المكثفة .. حاجبةً عنه ضوء الحرية والخلاص كما يصبو ويحلم. غير أني أتفاءل دوماً بالمستقبل رغم ما يعتري وطني من تراكماتٍ وحشرجات ومآلاتٍ غير منطقية .. وحماقات دنيئة لا يُعوّل على مقترفيها أيّ خيرٍ لهذا البلد .. لكن الله وحده هو القادر على قلب طاولة الشر على رؤوس كل من يسعون لهلاك هذا الشعب تحت أيّ مسمى .. ومعجزته هي ما نصبو إليها للخلاص من الكيد اليوميّ بين الإخوة الأعداء من جهة والمتآمرين علانيةً وخلف جحورهم من جهةٍ أخرى. إن هذه الكوابيس وتلك لا أظنها ستطول إن أدركت الشعوب حقيقة التغيير وإيجابية المُضيّ في تنقية العروش من فيروسات الاستئثار بخيرات الأرض .. واستمراء الفحش اللا إنساني في مقدرات البشر وهم يرزحون تحت الفقر والجهل والمرض والمصائر المتردية .. بينما ثلة من الأوباش يتنعمون ويحصدون الأكثر مما لذّ وطاب .. والأبعد من خيالات الشعوب الكادحة. ولا أعتقدُ أن خارطة الشرق الأوسط الجديد ستتوقف لدى مخرجات الجولة الأولى من حصاد الربيع العربيّ .. فالشعوب التي باعت وتآمرت على القضية الفلسطينية والتزمت الحياد أو الصمت الشنيع أو التي اختصرت تدمير شعب العراق تحت مسمى الثأر من شخصٍ أهلك وطنه وقدّمه لقمة سائغة للعلوج من أوباش شعوب المنطقة والكائنات البشعة من أنظمة الغرب .. فهي بلا شك ستأخذ حقها من الثورات والدماء والشتات والثأر المنطقيّ واللامنطقيّ كما هو مرسوم في ذاكرة شعوبها قبل أن ترسمه الأجندة الكبيرة للنظام العالميّ الجديد. [email protected]