جاءت الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م، و14 أكتوبر 1967م بالنظام الجمهوري، ومنذ ذلك التاريخ تم إعلان الجمهورية في الشطرين حينذاك، وطويت بذلك صفحة النظام الملكي الإمامي في الشمال والنظام الاستعماري في الجنوب، وسقطت مفردة (الرعية) ليحل محلها مفهوم المواطنة المتساوية ويتولى الشعب أمره بنفسه.. فكانت هذه محطة تحول هامة في تاريخ الشعب اليمني، ظل يحتفل بها ويعمل على إحيائها كل عام لما ينطوي عليه النظام الجمهوري من خصائص وقيم تكرس سيادة الشعب وتعزز من معاني الحرية والعزة والكرامة. لقد جاء اليمن الجمهوري من اليمن المتوكلي واليمن المحتل، وعلى أكتاف ثورة سبتمبر وأكتوبر، وهذا الحدث يتميز عن كل الأحداث والحركات التي سبقته وهي كثيرة. وقد شهدنا في التاريخ اليمني الحديث أربعة نماذج مختلفة تقريباً للجمهورية.. وهي: الجمهورية الأولى - والجمهورية الثانية - والجمهورية الثالثة - والجمهورية الرابعة.. وكانت جميعها تحاول، أو هكذا تدّعي، أنها تجسد مصالح الشعب في الحرية والعدالة والمساواة.. ولكن هناك فروق بين النوايا والشعارات وبين تحقيقها، وتجسيدها عملياً، وليس كل من يلبس عباءة الشعب هو بالفعل جمهوري، ويؤمن فعلاً بمبادئ الجمهورية وقيمها المُثلى، لذلك ظلت الجمهورية في اليمن تترنح بلا مضمون أو معنى. ولسوء الحظ أصبحت كلمة (الجمهورية) مثلها مثل كلمة (السماء) ليس لها تعريف أو تحديد.. كحال أسلافنا عندما كانوا يقولون بشأن الأمور الواضحة) التي لا تحتاج إلى تعريف: (هذا من باب السماء فوقنا).. وهكذا فإن معنى الجمهورية ظل في أذهاننا - كيمنيين وكعرب - نعتبره واضحاً، ولكن الوضوح الذي لا يتعدى وضوح معنى السماء بكل عوالمها ومجاهيلها المعقدة..! وأخشى أن يظل مفهوم الجمهورية في فكرنا الحديث والمعاصر من هذا القبيل. إذن ما العمل الآن..؟ علينا أن نعمل على تعريف مفهوم الجمهورية، وأن نفهمه ونستوعبه بعمق، ونحاول تحديد مضامينه تحديداً إيجابياً بذكر مقوماته الذاتية وعناصره الأساسية وقيم ومعاني هذا المفهوم. ولعلنا تابعنا وعايشنا تلك المحاولات التآمرية من قبل بعض حكام اليمن المتعاقبين والأنظمة المتعاقبة، التي سعت إلى إفراغ الجمهورية من مضمونها والانحراف بمسارها بطرائق التضليل والتزييف وخداع الناس بشعارات الوطنية والجمهورية نفسها، بهدف العودة للصيغة النمطية من الحكم الوراثي وعودة الملكية بلبوس الجمهورية..! وعند استعراض مسارات تطور الجمهورية من ثورة التحرير.. إلى ثورة التغيير، الثورة الشعبية التي نعيش في رحابها الآن.. هنا يجدر بنا التساؤل حول مفهوم الجمهورية..؟ وخصائص النظام الجمهوري..؟ والجذور التاريخية للجمهورية في اليمن..؟ وما هي سُبل تطورها وتجذرها في رحاب ثورة الشباب.. ثورة التغيير..؟ وما هي أبرز مقومات الفكر الجمهوري الجديد..؟. نتابع في الأعداد القادمة.. [email protected]