يمكن القول: إن الدستور قد تضمن الكثير من قيم ومضامين النظام الجمهوري، ولكن المشكلة تكمن في عدم العمل بروح الدستور وتطبيق نصوصه. وتستند الجمهورية إلى قيم أساسية هي قيم الحرية والنظام والعدالة. وتتجسد الحرية في حرية ممارسة الشعائر الدينية, وفي حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر، وفي حرية التنقل داخل البلاد وإلى خارجها واختيار مقر الإقامة... إلخ. أما قيمة النظام فتتجلى خاصة من خلال تأكيد الدستور على ممارسة الحريات في كنف احترام قوانين الجمهورية وعدم الإخلال بالأمن العام. أما قيمة العدالة فتتمثل في قيام سلطة قضائية نزيهة ومستقلة وفي تكريس المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وأمام القانون، وكذلك العدالة الاجتماعية. ومن القيم الأساسية التي تقوم عليها الجمهورية - كما سبقت الإشارة - المساواة بين الموطنين في الحقوق والواجبات, وهذه المساواة تجسد بالفعل مبدأ سيادة الشعب التي يقوم عليها النظام الجمهوري, كما تجسد المواطنة التي تقتضي المشاركة في الشأن العام, من خلال الانتخاب والترشيح والترشح والمشاركة في الاستفتاء والانخراط في الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات والجمعيات المدنية. وعلى أساس هذه المبادئ التي ارتبطت بالجمهورية كنظام وعلى أساس هذه الحقوق التي يكرسها الدستور، إثر إعلانها, عرفت الجمهورية في بلادنا فترات زاهية في تاريخها، وأصبح للجمهورية نشيدها ورموزها وساحاتها وجيلها من الشباب والشابات وقوانينها وأعيادها ومواكبها. لكنها تراجعت في تطبيق قيمها ومبادئها الحقيقية، وقد كان من المفروض أن يتجذر النظام الجمهوري بمرور الزمن إلاَّ أن محاولات جرت للانحراف به وإفراغه من مضمونه الحقيقي.. ومن ذلك اغتصاب السلطة عن طريق الانقلابات, وعمليات تفصيل الدستور على مقاسات الحكام, والسعي المسعور لإقرار الرئاسة مدى الحياة، وكلها إجراءات كانت تفضي إلى إقصاء الشعب عن حقوقه الدستورية التي كفلها له النظام الجمهوري. وهكذا حصل ما كان يخشاه كل من يؤمن بالجمهورية والنظام الجمهوري, ومُنِي شعبنا اليمني بخيبة أمل كبيرة، وأصبح يتطلع إلى إنقاذ الجمهورية، وهو ما يحتم اليوم صياغة دستور جديد يكرس النظام الجمهوري ويعزز ثقافة وقيم الجمهورية كممارسة حقيقة في حياة الدولة والمجتمع. [email protected]