من إشكاليات الفكر التنظيمي لدى الحركات والأحزاب الإسلامية، قضية الشورى والاستبداد، نتيجة تأثر بعض الحركات والأحزاب الإسلامية بميراث المسلمين وواقعهم، حيث يُطالب الحكامُ الرعيةَ بالطاعة، دون أن يقدموا مقابلها الحرية. فظلت هذه الحركات تُلِحُّ في أدبياتها على معاني الطاعة والالتزام والانضباط الحركي، ولم تُوَازِن ذلك بفتح مسالك للمبادرات الفرعية والفردية، والسماح بقدر من المرونة في التربية والتوجهات والإجراءات. تكمن الغرابة في تغليب جانب الانضباط والطاعة - والذي أحياناً قد يصل إلى نوع من الممارسات الديكتاتورية - على الحرية والشورى، في حركات إسلامية تأسست على الاختيار والالتزام الطوعي؛ حيث المفترض أن تكون أكثر تركيزاً على الشورى، وإعطاء الأفراد حريتهم، وإشراكهم في صناعة القرارات، منها على الالتزام والانضباط؛ لأن سبيلها إلى الطاعة هو الإقناع لا الإكراه. فالشورى وفقاً للغنوشي: “الأصل الثاني في النظام الإسلامي بعد النص، والشورى هي بذاتها نص، نص على الإقرار للأمة المستخلَفة بحقها في المشاركة العامة في شؤون الحكم”. (راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ص108). وفي العمل الإسلامي، وفقاً لخالص جلبي:”أن من أسباب كوارثه وارتداده وانقلاب نشاطه، هو الفكر الحزبي؛ فعندما يكسب تنظيم ما عضواً يدين بالطاعة ولا يناقش، ويتابع الأوامر، فهذا يُعتبر منتمياً والعكس بالعكس، وكان من نتائج هذه الطريقة التربوية أن خرج جيلٌ أو مجموعةٌ كبيرة من الشباب تنتظر الأوامر فقط، وبذلك حُرِم من ميزة الإبداع والحركة الذاتية”. (خالص جلبي، في النقد الذاتي “ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية، ص 229). والتجمع اليمني للإصلاح، ومن خلال أدبياته يؤكد أن “الالتزام بالشورى سلوكاً وممارسة، وتقبل الرأي الآخر، والالتزام برأي الأغلبية من واجبات العضوية”. (النظام الأساسي. ص29). وعلى أرض الواقع، تبدو المفارقة نسبية ومختلفة، بحسب المكان والزمان والمواقع القيادية، “فكلما كان الموقع قيادياً، كانت نسبة الشورى فيه أكثر، وتَضّعَف تدريجياً باتجاه القواعد”. (مقابلة أجراها الكاتب مع أحد قيادات الإصلاح في تعز). وفي مسألة إلزامية وإعلامية الشورى، يؤكد الأستاذ محمد اليدومي على أنها ملزمة في صفوف التجمع اليمني للإصلاح، مبيناً أنها مسألة محسومة من سنوات طويلة، ومنذ العمل في إطار العمل السري. (وثائق المؤتمر العام الثاني - الدورة الأولى، ص16)، وحسب محمد قحطان أن الشورى داخل الإصلاح “لازمةٌ ابتداءً، ملزمةٌ انتهاءً”. وبالرغم من صعوبة الحكم، ومعرفة القَدر الذي تُطبق فيه المبادئ الأساسية للشورى، داخل الإصلاح، بسبب عدم توفر المعلومات الكافية عن ممارسة مختلف الهيئات والهياكل التنظيمية، إلا أن ملاحظة بعض المراقبين تُؤكد “عدم ارتياح الكثير من القواعد والقيادات الوسطى، داخل الإصلاح من الممارسات الديمقراطية والشوروية، في مختلف التشكيلات التنظيمية المختلفة”. (طه الهمداني، الرؤية والممارسة الديمقراطية للتجمع اليمني للإصلاح، مجلة شؤون العصر، العدد (4)، ص81) تبدو الصورة أكثر وضوحاً، بالقول: إن الإصلاح ومنذ المؤتمر العام الثاني 1998م، بدأ يخطو خطوات بدائية، لكنها جادة نحو ترسيخ وتجذير العملية الشوروية الديمقراطية داخل أطره وهياكله التنظيمية؛ بحسب اليدومي (رئيس الهيئة العليا للإصلاح)، “إلا أنها لاتزال في طور البداية”. (وثائق المؤتمر العام الثاني، الدورة الأولى، ص7) ففي المؤتمر العام الرابع (الدورة الثانية) المنعقد في مارس 2009م، عدّل المؤتمر العام المادة (12) من النظام الأساسي، والتي كانت تمنح المؤتمر العام الحق في أن ينتقي من بين أعضائه مندوبي المؤتمرات المحلية للإصلاح، أما المادة المعدلة، فنصَّت على أن المؤتمر العام يتكون من أعضاء المؤتمرات المحلية المنتخبين من أعضاء الإصلاح مباشرة؛ جاء هذا التعديل تحت مبرر أن المؤتمرات المحلية هي التي يتكون منها المؤتمر العام، بدلاً من تكوين المؤتمرات المحلية من مندوبي المؤتمر العام. وكذلك تم تعديل المادة (14) من النظام الأساسي، والتي كانت تمنح أعضاء المؤتمر العام انتخاب أعضاء مجلس الشورى من بين أعضائه، أما المادة المعدلة فنصَّت على أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى من المؤتمرات المحلية، وفقاً للائحة التمثيل.. مُبرر هذا التعديل، انتقال الاختصاص إلى المؤتمرات المحلية في اختيار أعضاء مجلس الشورى. (التجمع اليمني للإصلاح، وثائق المؤتمر العام الرابع (الدورة الثانية). ص202/204). هذه التعديلات كانت - وفقاً لبعض المراقبين - بمثابة “إفساح المجال أمام تحقيق قدر أكبر من الديمقراطية الداخلية، واللامركزية، والمشاركة”. (عمرو حمزاوي، بين الحكومة والمعارضة “نموذج التجمع اليمني للإصلاح”، 24). كما يُمثل عرض بعض القضايا والمسائل المهمة، على دورات انعقاد المؤتمرات العامة للإصلاح، بغرض تحديد مواقف للإصلاح منها، أو اتخاذ قرارات بشأنها، مِثالاً على التزام الإصلاح بالمنهج الشوروي الديمقراطي؛ ومن بين هذه القرارات التي تم اتخاذها في هذه المؤتمرات وبأسلوب ديمقراطي، أحقيَّة المرأة في عضوية مجلس الشورى الإصلاح، وتحويل المكتب النسوي إلى دائرة من دوائر الأمانة العامة. مما سبق، يمكن القول: إن الإصلاح ملتزم بالمنهج الشوروي الديمقراطي في القضايا العامة، وما يتصل بالشأن الخارجي، وفي المواقع القيادية العليا، أما في أُطر التنظيم الداخلية - خصوصاً عند القيادات الوسطى والقواعد - فلاتزال الصورة قاتمة نسبياً، ويظل مبدأ الشورى تكتنفه الضبابية، وعدم الوضوح داخل الإصلاح. ولمحاولة التغلب على الإشكاليات والسلوكيات التي تبتعد كثيراً من مبادئ الشورى الأساسية، ينبغي على الإصلاح القيام ب(تشجيع المبادرة في الخطاب التربوي، وبَسْط الحرية في مراحل التربية المختلفة، وتشجيع حركة التناصح العامة، وتبني النظام اللامركزي: الذي يُقَسم التنظيم جغرافياً ووظيفياً عدة تقسيمات، ومنح صلاحيات كبيرة، وحرية واسعة للفروع والدوائر، والاقتصاد في الأوامر المُلْزِمة، وحصرها في الأمور الاستراتيجية الحسَّاسة فقط). [email protected]