جريمة بعد أخرى يمضي عليها الوقت والأيام والشهور دون أن يقبض على الجناة أو يقدموا للمحاكمة، سوى ما نسمع به عن تشكيل لجان تحقيق ثم يهال عليها الصمت الرهيب، وكأن أولئك الشهداء والضحايا من أبناء البلاد لا يستحقون سوى الرحمة من الله سبحانه وتعالى في السماء، أما العدل والإنصاف في الأرض فلا يستطيع عليه أحد، أو لا يريده أحد في أركان السلطة أو القوى السياسية.. فجميعهم يكتفون بتبادل التهم فيما بينهم، مضيفين بذلك الحيرة للناس والإرباك النفسي والعقلي، إلى جانب ما هم عليه من حزن وقلق وخوف على أنفسهم وأبنائهم وأسرهم، لا ذنب لهم إلا أنهم ثاروا وانتفضوا على واقع فاسد ليأتي من هم أفسد ليركبوا موجة الثورة ويجيرونها لحسابهم، ثم ليتقاسموا التورتة والسلطة مع النظام السابق، الذي كانوا يدعون شدة فساده ويطالبون بإزاحته ونهايته من السلطة.. وفي الأخير تركوا الشباب الثائرين في الساحات يواجهون المآسي، كل واحدة أكبر من سابقتها، والسلطة لا ينتج عنها سوى الاستنكار والتهديد بتعقب الجناة ومعاقبتهم، ولكن على أرض الواقع لا نتيجة عملية لكل قول أو فعل أو تهديد، فكلا الشريكين في السلطة يتهم الآخر ويلقي باللائمة عليه، ليس عن ثقة وإنما ليبعد المسؤولية عن نفسه ويرمي بها على الآخر، وفي الأخير تلفق التهمة وتقيد ضد مجهول، مع أن الواقع يبين أن الفاعل والجاني لكل الجرائم التي دبرت ونفذت ليس مجهولاً أبداً.. والحقيقة أنه إذا صدقت النوايا وصدق الفعل وشكلت لجان تحقيق من ذوي الخبرات في الجانب الأمني يتمتعون بالخبرة والسمعة الحسنة وخضع لها جميع من تحوم عليهم الشبهات مهما كانت مكانتهم للتحقيق الجاد والسليم فسيعرف المجهول وينكشف المستور، لكن كلا الطرفين المتشاركين في السلطة لا يريدان كشف الحقائق أبداً، ويفضلونها هكذا مبهمة ليستثمرها كل منهما لصالحه في المكايدة والمناكفة و(المطابنة)، لعل ذلك يزيح الآخر أو يقلل من شعبيته.. مادام وهما لم يمسا بشراً أو ضرراً وخصوصاً بعد الوفاق، فلا حاجة لشغل أنفسهم ووقتهم في من مات أو قتل من المواطنين، فحادثة بعد أخرى وجريمة تلو الجريمة ولم نجد حتى الآن من يقول لنا: لماذا كان ذلك ومن المستفيد؟ وهل السلطة والجاه والمناصب تستحق أن يضحى بأولئك الشهداء والضحايا الذين سقطوا في محرقة ساحة الحرية بتعز أو في جمعة الكرامة أو في جامع النهدين أوفي معسكرات أبين أو في ميدان السبعين أو في البيضاء وغيرها سواء الذين اعترف بهم تنظيم القاعدة أم غيرهم، فإلى الآن لم نجد بادرة طيبة تطمئنا بأن مسلسل القتل سينتهي، وأن سيل الدماء سيتوقف، ومجازر زهق الأرواح سيكتفى منها الساديون القتلة والمجرمون.. الذين يستغلون الانفلات الأمني وتناحر الشركاء على السلطة وانشغالهم بها، ليمارسوا أبشع سادياتهم وهوياتهم (الدراكولية) في زهق الأرواح وسفك الدماء الطاهرة للضحايا والشهداء، الذين أزهقت أرواحهم سابقاً وستزهق لاحقاً، إذا استمرت الحالة الأمنية على ما هي عليه من التسيب والانفلات، أو إذا اكتفت السلطة ببيانات الاستنكار وذرف الدموع تلك الحالة الشاذة التي لن تعيد شهيداً إلى أسرته، ولن تحمي الناس جميعاً من سادية وصلف القاعدة أو غيرها.. ولا حتى من تدبير بعض تلك الأحداث أو الجرائم من قبل قوى قد تكون محسوبة على كلا الطرفين المتوافقين في السلطة أو تصحيحاً لقول المتناحرين، أشد من تناحر (الضرات)، وإلا لماذا إلى الآن لم يعرف المجهول؟ ذلك (الدراكولا) مصاص الدماء الذي يعوث ويلوث يرتكب جرائمه الواحدة تلو الأخرى. لا أعتقد أن ذلك حاصل عن عجز أبدي، فهناك جهات أمنية لديها الخبرة والإمكانيات لو تفرغت أو فرغت لمهماتها الأساسية في تعقب الجناة سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو جهات داخلية أو خارجية لما تقاعست أو عجزت عن كشف الحقائق وكشف المستور وتعرية الجناة والقبض عليهم، ولكن أركان السلطة ربما لا يريدون كشف الحقائق ولا تعرية الجناة؛ لأن ذلك سيفضح المستخبي، وسيعرف الشعب أية سلطة هي التي تدعم أو تغض الطرف عن تلك الجرائم أو تتساهل في القضاء على مرتكبيها.. فالشعب اليمني وشبابه الثائرون ابتلاهما الله بأسوأ ضرتين في السلطة لا تجيدان إلا رمي التهم على بعضهما أو المكايدات ووضع المطبات كل طرف للآخر. وأنا أتمنى على شباب الساحات بل وكل فئات الشعب الوطنية أن يعتصموا جميعاً اعتصاماً أكبر مما هو حاصل الآن، ليضيفوا إلى مطالبهم السابقة برحيل طرفي السلطة، أو بسرعة كشف الجهات والجناة الذين ارتكبوا كل الجرائم البشعة السابقة، ابتداءً من جريمة حرق ساحة الحرية بتعز مروراً بمذبحة جمعة الكرامة وتفجير جامع النهدين ومذبحة معسكرات أبين ومذبحة ميدان السبعين وما بعدها.. ولا ترفع الاعتصامات إلا بعد تحقيق كل المطالب العادلة، ليس للشباب فقط ولكن لكل فئات الشعب الذي جعلوه يعيش كالأطرش في الزفة، وأولها كشف الجناة لكل الجرائم السابقة ومن وراءها والمستفيد منها، وأهمها تلك التي نفذها تنظيم القاعدة؛ لأن ذلك التنظيم لن يستطيع أن ينفذ جرائمه إلا بتواطؤ من بعض الجهات، سواء القبلية أو العسكرية أو الأمنية، وإلا من أين لذلك التنظيم كل ذلك السلاح الخفيف منه والثقيل؟ وكيف دخل إلى البلاد وكيف وصل إليهم؟ ثم من سهل لأولئك الأجانب المنضوين تحت لواء تنظيم القاعدة الذين يعدون ليس بالعشرات ولا بالمئات وإنما بالآلاف الدخول إلى البلاد سواء براً أو بحراً؟.. فلابد وأن هناك أيادي خفية تلعب من وراء الستار لمصالحها الخاصة أو لأجندة خارجية، وإذا لم يتم فضحها وتعريتها والتوصل إلى الجناة الحقيقيين لكل الجرائم التي ارتكبت أو سترتكب فسيظل ذلك المجهول - قبّحه الله - يسرح ويمرح ويخرج لنا لسانه شعباً وسلطة هازئاً ومتشفياً، والمتسبب هي السلطة وفرقاؤها المتشاركون المسمون ظلماً المتوافقين. وحتى ينتهي ذلك المجهول يجب أن لا يسترخي الشعب وشبابه بل يجب أن يستمر في ممارسة الضغط على الحاكمين حتى يبينوا لنا من ذلك المجهول وما لونه؟..