خامساً: وتحتل مسألة الفصل الفعلي بين الجملة «النص» الغيبية وتجلياتها في منظومة الوعي الإنساني أو ما يعرف ب«الأيديولوجية الدينية» وبين وظائف وأنشطة سلطات الدولة الثلاث؛ السلطة التنفيذية, السلطة التشريعية والسلطة القضائية, أهمية مفصلية في متن الدولة المدنية أو الرأسمالية أو شبه الرأسمالية؛ حيث يدور جدل قديم جديد عقيم عن هذه المسألة في منطقتنا التي رزحت تحت هيمنة وتحكم القبائلية والبدونة والسلطنة، ومازالت متعثرة عن الوصول إلى فجر التنمية الإنسانية الفعلية وتأسيس دولة بنظام اقتصادي - اجتماعي، رأسمالي أو شبه رأسمالي. الحكام (سلاطين وأمراء ورؤساء عسكريون أو عسقبليون) لجأوا إلى استخدام «النص الغيبي» لإضفاء الشرعية على حكمهم المطلق الاستبدادي الفاسد وأداموا استقرارهم على كراسي السلطة على حريات وحقوق المجتمعات, وحينما يدور الحديث عن ضرورة الانتقال إلى مرحلة الدساتير البرلمانية الديمقراطية يمتشقون سيوفهم لدق أعناق أصحاب المطالب والحقوق، ويقف النص الغيبي في أيديهم كما تقف سلعة «البندورة» في سوق الخضار، يقذفون بها في وجه التقدم والحرية والازدهار الثقافي, ويستدعون أحكاماً فاسدة من الزمن القديم الذي لايعرف عنه الناس أي شيء سوى الترويج والدعايات المرتبطة بالتخريف والأساطير الصحراوية.. كل فرد في المجتمعات المكونة للمجتمع العالمي يرتبط بالوعي الديني أو بالأيديولوجية الدينية, وكل فرد في هذه المجتمعات يمارس السياسة بدرجات متفاوتة, والسياسة هي الشريان الحيوي الذي يتدفق منه الدم رابطاً الناس أفراداً وجماعات وطبقات وفئات وشرائح فيما بينهم لتكوين الحياة الطبيعية المتنوعة بينما «الجملة الغيبية» ارتباط ذاتي متحرر من شوائب السياسة ومتطلباتها اليومية. ولخلق مساحة واسعة في أذهاننا للحريات فإن على العملية السياسية وأنشطة ووظائف السلطات الثلاث ألا تكون على تماس عضوي مع «الأيديولوجية الغيبية» حتى يستطيع الفرد الكامل الحرية والحقوق من ممارسة حياته بصورة طبيعية غير قابلة للقسرية وفرض الخيارات. وسوف نجد صعوبة لاستحضار هذا الشرط واقعياً لفداحة ما جرى للذهنية اليمنية من تدمير ممنهج وعلى قاعدة الزمن الطويل، ولكن لابد من طرح هذه المسألة على طاولة المناقشات المضنية حتى نصل إلى تفاهمات تشريعية وسلوكية تضمن خطوات منضبطة في حقبة فارقة من الحياة السياسية في اليمن.. إنه لسلوك بشع رؤية جنود وضباط المخابرات يترصدون الضيوف على أبواب السفارات أو على قارعة الطريق لشم أفواههم واقتيادهم إلى الزنازين إذا هم لم يدفعوا المعلوم من المال.. وإنه لسلوك بشع أن تسمح السلطات التنفيذية لجماعات تدعي «صيانة الفضيلة» وبفرض عقوبات على الناس وبفرض أنماط سلوكية تتعارض مع الحريات الشخصية والاجتماعية وتمارس الإرهاب الفردي والجمعي على نطاق واسع.. إنه لسلوك بشع أن تقوم السلطة أو السلطات بدور الشرطة الفكرية.. لابد أن يكون هناك فصل فعلي وقطعي (حدي) بين وظائف سلطات الدولة الثلاث والأيديولوجية الغيبية «الدينية»، وبهذا الصدد بعث لي صديق برسالة عبر الجوال قال فيها: نتكلم كثيراً عن مكافحة الإرهاب إعلامياً فقط.. إن مكافحة الإرهاب هو تجفيف منابعه مثل: إغلاق المعاهد الدينية والجمعيات والجامعات الدينية والمدارس الخاصة ذات الاتجاه الديني، وإلا سوف نجد أنفسنا وقد أصبحنا جزءاً من حركة طالبان بعد فترة. وهذه الرسالة واضحة، وتتهم السلطنة العسقبلية بصناعة الإرهاب عبر احتضانها لهذه الكيانات التي تدعي احتكار الدين كسلعة, ومن الأهمية بمكان عدم التلفيق والتلصيق والنفاق في مسألة جوهرية كفصل هذه السلطات والعملية السياسية عن الدين فصلاً جاداً. سادساً: وتمثل الحريات والحقوق وتوسيعها وصيانتها ركناً أساسياً من أركان الدولة الرأسمالية أو شبه الرأسمالية «دولة المدنية والتربية المدنية» وهي في هذه المنطقة الأكثر غياباً بل يزدريها ويعبث بها السكان بشكل عام وسكان المنطقة القبلية الجبلية بشكل خاص, ويصل التمييز العنصري والاجتماعي إلى مستوى العبودية, ويعمل الناس وفقاً لنمطية قيمية كرستها ثقافية ما قبل الدولة؛ حيث تعلو قيم الاستحواذ والإقصاء والاستبعاد والإلغاء.. ومايقال عن الديمقراطية ليس سوى تقليد فردي لم يؤد إلا إلى انغلاق الذهنية التحريمية أمام رياح الحريات والحقوق. إن وضع المرأة في هذه المنطقة مأساوي وتعتبر حريتها وحقوقها أهم محك في سياق الدولة المدنية والتربية المدنية.. والمرأة الآن عبارة عن كتلة إنسانية غير متعلمة تعيش قسراً داخل كفن أسود يميزها عن الذكور بكونها سلعة جنسية محكومة بضوابط ومحظورات وتقيدات ذكور الإقطاع الآسيوي الذي نستطيع رؤية ممارسته، وهو يقتني من 3 إلى أربع نساء داخل دار واحدة لا يستطعن تنفس الهواء الطلق.