منذ انفراج الأزمة اليمنية قبل أكثر من عام والوعود لاتزال تنهمر على القيادة السياسية الجديدة بأن الخير آت، وأن حل مشاكل اليمنيين سيأتي على طبق من ذهب، غير أن الواقع يثبت أن هذه الوعود لم تأت ثمارها حتى الآن، فلازالت الأزمة المعيشية قائمة، ولازالت الاختناقات الاقتصادية تتفاقم، ولاتزال أيضاً الخدمات الأساسية في أسوأ حالاتها كما هو وضع الكهرباء والمياه، فضلاً عن أن الكثير من اليمنيين لازالوا يعانون من شظف العيش بسبب البطالة والفقر، حيث تشير تقارير الأممالمتحدة إلى أن اليمن قد يتعرض خلال السنوات القليلة القادمة إلى أسوأ كارثة مجاعة. ومن الوعود التي هطلت على اليمنيين كالمطر خلال العامين المنصرمين تلك التي أتت من الشرق والغرب ومن كل الاتجاهات من القريب والبعيد، من العدو والصديق، ومنها على سبيل المثال تلك التي صاحبت المبادرة الخليجية بشأن التسوية السياسية من الأشقاء بالخليج، وكذلك الوعود التي أتت من الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي. في حقيقة الأمر فإن الوعود الكثيرة لاتزال على الورق، فقد عقد مؤتمر أصدقاء اليمن في الرياض خلال الشهر الماضي دون أن يلوح في الأفق ما يوحي بأن تلك الأمطار قد هطلت على اليمن واليمنيين شبعاً ودفئاً. وباستثناء المملكة العربية السعودية التي قدمت خلال ذلكم المؤتمر أكثر من 3مليارات دولار كمساعدة لليمن فإن أياً من الدول التي وعدت اليمن بالمساعدات لم تلتزم بما وعدت به، واكتفت بتأجيلها إلى مؤتمر المانحين المقرر انعقاده أواخر هذا الشهر في الرياض. وأكثر ما نخشاه أن يرحّل هذا المؤتمر إلى موعد آخر أو أن يتم خلاله التسويف في مسألة الدعم الموعود به لليمن. يعرف المانحون – تمام المعرفة – بأن اليمن لازال في عنق الزجاجة، وأن خروجه مرهون بمدى واقعية وحجم هذا الدعم، غير أن ما يلفت النظر فعلاً أن لا تكون هناك مصارحة من قبل اليمنيين بحجم ما يمكن أن يلحق بهم والجوار الجغرافي من مخاطر حقيقية، خاصة إذا ما عرفنا بأن اليمن يخوض معركة شرسة ضد الإرهاب، ولاتزال قدراته وإمكاناته محدودة، فضلاً عن المشكلات الحياتية التي يعيشها المجتمع اليمني في الوقت الراهن والاختناقات الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي يعاني منها أيضاً. لقد سمعنا كثيراً ومراراً عن وفود تأتي إلى اليمن بشأن الترتيب لاجتماعات قادمة تساعد اليمن على تجاوز صعوبات وتحديات المرحلة الراهنة، لكن ذلك أيضاً لم يترجم إلى وقائع عملية باستثناء الدعم المحدود الذي حمله أحد المسؤولين الأمنيين الأمريكيين بالأمس والبالغ قرابة 25000000 دولار كدعم سريع لمجابهة مشاكل عديدة يعاني منها اليمن، وإذا ما أغفلنا مسؤوليات الخارج في دعم الداخل فإن اليمنيين مسؤولون مسؤولية مباشرة في تحمل تبعات هذه المرحلة التي آلت إليها منظومة الحكم منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني. قد يقول قائل بأن قدرة الحكومة الراهنة في تحمل مثل هذه التبعات المثقلة بإرث تاريخي جرّاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاختلافات السياسية، لكن الحقيقة أن هذه الحكومة قادرة على تجاوز هذه المرحلة بتأمين الجبهة الداخلية، من خلال الإسراع في استكمال عقد الحوار الوطني الشامل الذي يجري الإعداد له على قدم وساق منذ فترة طويلة، وكذلك محاصرة المشكلات بوضع آليات لعدم تفاقمها، فضلاً عن تهيئة الظروف الذاتية والموضوعية لترسيخ الأمن والاستقرار الذي يعد أساس أي تنمية، بل هو المدخل الذي سيوفر الغطاء الواقعي لجذب الاستثمارات التي يعوّل عليها كثيراً في ترجمة الوعود الخارجية لدعم اليمن والاستثمار فيه. إن حاجتنا الأساسية لتنفيذ وعود الخارج بتحمل مسؤولياتهم تجاه اليمن يتطلب ديناميكية للتعاطي مع هذا الملف، ووضع البرامج والخطط التي تقنع المانحين بسلامة مخارج هذه المساعدات والتمويلات وبدون ذلك سيبقى حالنا: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول أما إذا تخلى عنا الخارج ونكث بوعوده فإن ذلك سيكون بمثابة مزحة سمجة، وعندها سيكون حالنا كالعطشان في الصحراء الذي يحسب السراب ماء، وفي أحسن الحالات كالغريق الذي يتعلق بقشة.