ظاهرة الغش في الامتحانات تؤكد أننا بحاجة لثورة حقيقية ضد الجهل والغش بجميع أنواعه، لا أقول الغش السياسي فقط، فالتغيير في القمة لا يعني شيئاً طالما ظل الأساس مغشوشاً. العملية الديمقراطية تسري داخل الفصل على أحسن ما يرام، والانتقال السلمي للدفاتر يجري على قدم وساق. الجمهرة التي تحدث حول مراكز الامتحانات ينقصها لافتة: “الشعب يريد الغش في الامتحانات، رصاص، وسقوط جرحى، ولا تراجع لا استسلام حتى يدخل البرشام”. إذا استمر حال العملية التعليمية على ما هو عليه فلا نملك إلا أن نقول: كش ملك على هذا الجيل، أو بالأصح غش ملك. الغش صار غرماً أسرياً وقبلياً ومجتمعياً ونوعاً من أنواع التكافل الاجتماعي لا ينقصه إلا إنشاء الصندوق الاجتماعي للبرشمة وتمويل الغش في الامتحانات باعتباره صار تجارة قائمة بذاتها لها سماسرتها والمستفيدون منها. وموسم الغش صار مثل موسم صيد أسماك الحبار؛ يمتلئ البحر بسفن غير شرعية تمارس الاصطياد العشوائي وتدمر الثروة البحرية، تماماً كالطالب الذي يجعل من البرشام ضالته المنشودة في بحر الجهل والظلمات. زمان كان المراقب يقول للطلاب: إذا بليتم فاستتروا، واستعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، اليوم الطالب يدفع “عربون” لمن سيغشه من ليلة الامتحانات، والملاحظ يكتب الإجابة للطلاب على السبورة ويغشهم وهو واثق الخطوة يمشي مبرشماً، يعطي الطالب الكتاب ويقول: افتحه وجاوب الأسئلة، فيناوله الطالب الدفتر ويقول: اكتب لي أنت يا أستاذ، يا مسلمين يا عباد الله طالب في ثالث إعدادي ما يعرف كيف يكتب اسمه؟! الدفتر بألف ريال، والورقة بثلاثمائة ريال، أما إذا كنت تختبر في المناطق النائية فلديك خدمة الدفتر السفري يأتيك إلى البيت وأنت تحل براحتك. من تغدا بالغش ما تعشى به! طالب جاب بالغش خمسة وتسعين بالمائة، ويسافر الخارج منحة وفي جيبه البراشيم، ويرجع بعد أن يكتشف خيبته ويعرف أن كل البرم ليست لسيس، الشيء الذي أساسه غلط سرعان ما يزول تماماً مثل العمارة التي يتم الغش في أساسها فتتداعى وتنهار، طالب آخر جاب أكثر من تسعين بالمائة، بعد أن جاب واحد اختبر بدلاً عنه وسألوه حينها إيش با تسوي؟ قال بادخل كلية طب، ثم تنقل بين جامعات وكليات مختلفة لم يدع قسماً إلا وجربه: طب، هندسة، علوم، تربية، آداب ولم يفلح في أي منها فقرر السفر إلى الغربة، وهاهو اليوم يتحمل بطحة في إحدى دول الخليج.. لم يعد هناك قيمة للمعدلات، التسعين بالمائة اليوم زي خمسين بالمائة زمان. خلاصة المقال: الغش في الامتحانات هو خلاصة الغش في المراكز التعليمية والمجالس المحلية والخطط والمناهج وتأهيل المعلمين ومعايير اختيار المسؤولين التربويين، والغش الحكومي والمجتمعي بشكل عام. العملية التعليمية بدلاً أن تؤثر في القبيلة وتغير فيها وتوعيها تأثرت بها وتقولبت في أطرها الضيقة. اذكروا الله وعطروا قلوبكم بالصلاة على النبي.