طالب عدد من المراقبين رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي بضرورة اتخاذ إجراءات وقرارات حاسمة تطال كل من يثبت تورطهم في اقتحام وزارة الداخلية ونهب محتوياتها، الثلاثاء، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من الجنود والمواطنين. وفيما طالب البعض أن تشمل تلك القرارات محاسبة من يثبت تقصيرهم في أداء واجبهم في الحكومة والجيش، دعا آخرون الرئيس هادي إلى ضرورة إصدار قرارات حاسمة وفاصلة لإنهاء الانقسام المخل في المؤسستين العسكرية والأمنية، وإقالة من تبقى من القيادات العسكرية والأمنية التابعة لعائلة الرئيس السابق، والموالية له، أو تلك التي مازالت تشكل بؤرة توتر ومراكز قوى تعمل خارج الدولة، لاسيما من تحدثت الأنباء عن تورطها؛ سواء بالتخطيط أو الدعم أو المساندة أو التحريض وتسهيل مهمة الجنود والمسحلين الذين اقتحموا الوزارة ونهبوا محتوياتها.. واقتحم جنود ومسلحون بزي مدني مبنى وزارة الداخلية، ظهر أمس الثلاثاء، ونهبوا محتوياتها بعد مواجهات مسلحة مع حراسة الوزارة، ما أسفر عن سقوط ضحايا، أكد مصدر أمني لموقع المصدر أونلاين أن حصيلتهم بلغت 15 قتيلا، بينهم نائب مدير أمن وزارة الداخلية، فيما أصيب العشرات. وتحدثت وسائل إعلام محلية ودولية عن سقوط 8 قتلى فقط. وجاءت هذه العملية بعد يومين فقط من الاقتحام الأول، الأحد، من قبل جنود قيل إنهم يتبعون النجدة ويطالبون باعتماد توظيفهم رسمياً ومنحهم حقوقهم المالية بعد أن حدثت عملية توظيف واسعة من قبل قائد النجدة السابق، قبل إقالته بقرار رئاسي. وهو الاقتحام الذي يعتقد أن وزارة الداخلية نجحت في احتوائه سريعا، وبموجبه أصدرت الوزارة حينها تصريحات تنفي ما رددته وسائل الإعلام من اقتحام أو سيطرة على الوزارة. لكن، وعلى ما يقال، فإن أطرافاً وقيادات - ما تزال نافذة في السلطة والجيش والأمن - لم يرق لها ذلك، تتهم بأنها عمدت إلى الدعم والتحريض مجدداً لإثارة الفوضى بهدف إعاقة التسوية السياسية القائمة على أساس ما تبقى من المبادرة الخليجية. بحسب تصريحات لمسئولين في الحكومة والأمن. حيث وصف مجلس الوزراء الاعتداء على أنه “محاولة يائسة لعرقلة وتعطيل العملية السياسية واستكمال تنفيذ بقية بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة”. آراء ومطالب متباينة.. وعلى إثر الاقتحام الأخير، الثلاثاء، تباينت الآراء والمطالب بخصوص التدابير التي يفترض على رئيس الجمهورية اتخاذها إزاء ما حدث. وفيما تحدثت أنباء عن أن الرئيس سارع إلى إصدار توجيهاته للجنة الأمنية بسرعة تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة القادة العسكريين الذين يقفون وراء تصعيد الأحداث ورفع التقرير خلال 24 ساعة، اتهم البعض الرئيس السابق والقيادات العسكرية والأمنية المتبقية من عائلته، بالتخطيط والتحريض والدعم، فيما وجه آخرون نقداً لاذعاً لحكومة التوافق ممثلة برئيسها باسندوة، ووزير الداخلية عبد القادر قحطان، متهمين إياهم بالضعف والعجز عن مواجهة مثل هذه الفوضى (المتعمدة)، وعدم استخدامهم للصلاحيات الممنوحة لهم في مواجهة مثل هذه الإختلالات التي تكرس لإنعدام الأمن والإستقرار تمهيدا للعودة بالوطن إلى مربع العنف لتحقيق أهداف ومآرب خاصة، لاسيما بعد أن شعر من فقدوا مصالحهم أنهم ربما باتوا عاجزين عن تحقيقها في ظل التوجه بحسم نحو فرض استتباب الأمن وإعادة الاستقرار وإنجاز ما تبقى من عملية الانتقال السلمي للسلطة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. بين ضعف الحكومة وقوة النظام السابق وعلى ضوء ذلك، فقد برزت، على صفحات التواصل الاجتماعي، دعوات تطالب بإقالة الحكومة، بعد أن سخرت من عجزها عن حماية وزارة سيادية معنية بأمن الوطن والمواطن، من قبل مجاميع مسلحة. لكن مثل تلك الدعوات (الواسعة إلى حد ما) كان من الواضح أنها اصطدمت بآراء وتوجهات أخرى، اعتبرت ما حدث أمراً مدبراً من قبل من أطلق عليها “عصابات بقايا النظام السابق”، هدفها ليس إضعاف سلطة الحكومة فحسب، بل سلطة الرئيس نفسه، وإظهاره في موقع الضعيف، في الوقت الذي يستعرض فيه ما تبقى من النظام السابق “عضلاته”، وكأنما يريد أن يقول “مازلت هنا، قادراً على عمل الكثير”. يأتي ذلك، ربما بعد ما اعتقد أن معسكر النظام السابق بات عاجزاً عن استخدام أوراق مثل: القاعدة وتخريب خطوط الكهرباء وأنابيب النفط وزعزعة الأمن عبر التقطعات القبلية في الطرقات. وهي الأوراق التي استطاعت وزارة الدفاع بمساعدة الداخلية – بشكل خاص – من محاصرتها والتضييق عليها أو التخفيف منها إلى حد كبير. الأمر الذي يعتقد معه أصحاب هذا الرأي أنه ربما استدعى استهداف الداخلية بشكل خاص، لما حققته من إنجازات بشأن معظم تلك الاختلالات الأمنية.. ويرى هؤلاء أن فرص إمكانيات نجاح معسكر “الثورة المضادة” ما تزال كبيرة، في ظل استمرار الانقسام الحاصل في المؤسسة العسكرية، وفق ميزان قوى يرجح كفة هذا الطرف. وعليه فقد اعتبروا حادثة الداخلية بمثابة “جرس إنذار” مبكر، يتوجب على الرئيس معه اتخاذ القرارات المناسبة (والتي طال انتظارها) وفقاً لما نصت عليه المبادرة الخليجية، مشددين على أن تأخيرها من شأنه أن يزيد من خطر الانزلاق إلى ما هو أسوأ من ذلك. الحادث من زاوية أخرى تلك كانت قراءة موجزة لما ذهبت إليه ردود الفعل الأولية من تباين في المواقف إزاء الحادث. بيد أن ثمة نظرة تنظر إلى ما حدث من زاوية أخرى تستند إلى معلومات لم يتسنَ التأكد من دقته من مصادر أكثر موثوقية. تقول بعض المصادر الخاصة إن الرئيس هادي أخر الإعلان عن قرارات حاسمة بخصوص إنهاء الانقسام الحاصل في المؤسسة العسكرية، وذلك بناء على مطالب خارجية، لم توضح المصادر من هي بالضبط. هذه القرارات تلبي مطالب المبادرة الخليجية بإزالة بؤر التوتر قبل الدخول في الحوار الوطني, تمهد الأجواء لإنجاح الحوار، وتشمل إحداث تغييرات مفصلية في القيادات العسكرية والأمنية الكبيرة المختلف حولها.. وعليه، يعتقد أن حادث الداخلية الأخير، يتضمن رسالة أولى للرئيس - قد تتبعها رسائل أخرى أكثر قوة – تحذره بأن الأمور ليست بيده بالكامل كما قد يظن، وأن ثمة أوراقاً كثيرة يمكن تحريكها للعودة إلى مربع المواجهات المسحلة. من هنا، يمكن أن ينظر إلى موقف الحكومة، المتمثل بعدم تصعيد الموقف عبر الانجرار إلى المواجهة المسلحة من قبل وزارة الداخلية، على أنه إفشال لمخطط جر الحكومة إلى المربع الذي يريده المخططون للعملية. على أن ردة الفعل الآن، قد توجب على الرئيس استغلال الظرف وإصدار بعض قراراته تلك وإن على مستوى أقل من المطلوب كليا، لما من شأنه أن يقلب النتيجة المتوقعة ويفسد بقية المخطط المرسوم.. وسيجد الرئيس المبرر الأقوى الذي تضعف أمامه مبررات الجهات الدولية بالتأخير، لاسيما إذا أثبتت التحقيقات تورط قيادات أمنية بارزة عطفاً على المؤشرات الميدانية الأولية.