أخشى أن أنسى ما أودّ قوله.. أو أن ينسى أحدكم أن يكمل السطر الثالث من خيبة القراءة.. أو أن ننسى جميعاً أننا على موعدٍ يوميّ مع جريدتنا الغراء فلا نُبصرها. فالنسيان صفة أساسية فينا نعمل كثيراً على إحياء طقوسها بشتى الطرق.. في محاولاتٍ حثيثة لننجو من تذكار وجع.. أو استرجاع حدثٍ لا يمتّ لاستمرار زيت جذوة حياتنا بشيء. لكننا للأسف أصبحنا وأمسينا نتخذ من النسيان طريقاً للهروب من تحمّل مسؤولياتنا.. وموعداً دائماً للنكوص عن التواجد الإيجابي في حياة مجتمعنا وتفاصيل الآخرين.. أو على الأقلّ من يجب علينا أن نستذكرهم بين فترةٍ وأخرى بحسب قربهم العائليّ أو احتياجهم الإنسانيّ.. أو ما هو مفترض في كينونة ضمائرنا أن يكونوا في أول اهتمامنا. وما يؤلمني بشدة أن ننسى ونتناسى واجب الكتابة والنداءات والوقوف مع الصرخات المتكوّمة والمكتومة للكثير من مبدعي هذا الوطن المنسيّ في زحمة الحماقات اليومية من بشرٍ لا يمتون بصلة لما نصبو إليه من حياةٍ كريمة. وحين أوجّه ندائي وأضمّ صوتي مع أصوات الكثير من المبدعين الشرفاء لإنقاذ حياة المبدع والإنسان الشفاف محمد الجبلي، وهو يحترق ألماً ويكتوي وجعاً في دوامة مرض السرطان على حصيرةٍ بائسة بخيمةٍ باهتة وبساحة معنيّة بالتغيير الحقيقي كساحة الجامعة بصنعاء.. وأمام مدخل جمعيّة خيرية لا يعنيها ما يعتمل بالجسد النحيل من أوجاع لا يقوى عليها مندوبو الشحاذة في مساجد الله وطرقات عباده لمن لا يستحقون ربع ما يستحق هذا المبدع الموشوم بالوجع منذ عرفته وحتى إلى ما لا نعرفه في زحمة الاهتمام بالمؤلفة نفوسهم من الوسط السياسي والثقافي لهذا البلد. الأديب محمد الجبلي يفقد كل يوم جزءاً من روحه وجسده.. وينتقل كل ليلة إلى دائرة التلاشي بقدر نسياننا وخيباتنا المتلاحقة.. بينما الوزارات المعنيّة لا يهمها من الأمر شيئاً.. وكأنّ وزارة الثقافة مثلاً وهي المعنيّة بدرجة رئيسية بالجبلي.. لا يعنيها من واقعنا سوى رقصة مزمار.. والتطبيل لمن لا يملكون ذرة إنسانية تقيهم انتقام الله. انقذوا الجبلي يا من تجمعون الملايين يومياً باسم مرض السرطان في البرامج التلفزيونية التي أبكت قلوبنا حين قلنا إنها ستسعف المكلومين والمتكومين على آهاتهم وجراحاتهم العظيمة. انقذوا محمد الجبلي يا من تبقّى من الشرفاء بكل القطاعات.. فهو إنسان قبل أن يكون مبدعاً وأديباً يحتاجه هذا الوطن ليكمل مسيرة نضاله ووقوفه مع التغيير منذ بشاراته الأولى ليمنٍ كان من المفترض أن يكون الآن يمناً آمناً خالياً من فواجع من نهبوا الأرض والإنسان ويرقصون الآن في أفراحهم.. بينما المواطن التعيس لا يجد حتى ما يعينه على جرعة أمل تقيه شرّ نكبات الانتظار. [email protected]