كل فجرٍ مرّ فجرٌ كاذبٌ.. فمتى يأتي الذي لا يكذبُ؟ نعم هكذا هي الحياة صباحات كاذبة، ولكن الموت هو الحقيقة الوحيدة.. وهو الواقع الأبديّ والنهاية الأكيدة لكل ذي روح. هو الموت.. رغم ما تحمل تفاصيله من حشرجات وانكسارات وخطوط طولٍ وعرض، إلا أن مسمياته واحدة. هو الموت.. لغة اللغات.. وحكاية الأنين والرضا.. بلسم وعلقم.. نكاية ووشاية.. رعشةٌ وصمت.. أغنيةٌ وهروب.. حبر وسطور.. فرحةٌ ودمعة.. قصيدة حب ورثاء.. صباحٌ ينزف ومساء يذرف. هو الموت حيث لا مفر.. لكن طوبى لمن رحل وهو باقٍ.. ولا عزاء للميت الحيّ. كل شيء نبدئ فيه ونعيد إلا الموت.. وحده الحقيقة وما سواه وهم ووشاية حياة.. إذن هو الموت.. الحقيقة البشعة.. والغفلة الرحيمة. هو الموت.. جنون عقل وانكسار روح.. صفة العدم.. وبرق حياة الديمومة.. نتلاشى فوق عنفوان بخارهِ كسرابٍ كان ذات حقيقة. هو الموت.. يُمسكُ بتلابيب البشر حتى مطلع الشهقة.. لا يجادل حين يريد.. ولا يفيق من وقع سطوته علينا. هو الموت.. عطش السماء ودثار الأرض.. وخاتمة الزهو.. وبدء الخلود. عزيزي الموت.. لا عزاء لك.. فمن سيرثيك حين يطويك العدم؟! ** (الأشموري والجبلي) رحل الفنان القدير عبدالكريم الأشموري وهو في أوجّ عطائه الإنسانيّ.. والجميع يلتفتون لبعضهم أيهم سيقف معه بمحنة غيبوبته دون جدوى.. حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وصعدَ إلى بارئ السموات والأرض. وبعده بأقلّ من يوم يرحل الكاتب والأديب الشاب محمد الجبلي إلى الله عبر خيمةٍ بائسةٍ مهترئة بساحة التغيير بعاصمة اليمنصنعاء.. ولم تفلح الدعوات والمناشدات اليومية لكثير من المبدعين لتقديم المعونة له والإسراع بعلاجه لعلّ وعسى.. لكنّ القدر كان أرحم به وهو ينتزعه من براثن مرض السرطان ويطويه إلى سدرة الأمان والطمأنينة عند خالقه الذي أراد فقط أن يكشف سوءات أيامنا وأحلامنا وانكساراتنا ومتواليات خيباتنا، ونحن لا شيء أمام وجع من نفقدهم دون أن نستطيع تقديم شيء لهم. رحم الله الفقيدين وأسكنهما فسيح جناته.. وألهم أهليهما وذويهما وكل محبيهما الصبر والسلوان..إنا لله وإنا إليه راجعون. [email protected]