أم توجه ابنها : “تعلم من أدب معلمك قبل علمه”!! أي ثقافة أنجبت هذه الأم؟ يروى أن مالكاً الطفل لم يكن يريد أن يتجه إلى العلم وإنما رغب في أن يتعلم الغناء ويجيده ويصبح مغنياً مشهوراً(مثل أيوب طارش والمرشدي والحارثي وغيرهم من نجوم الغناء المعروفين اليوم)فالغناء كما يخيل للحالم والرائي مصدر للشهرة ومجلبة سريعة للثروة (حتى على أيامهم في ذلك العهد البعيد) لكن أم الإمام مالك ذات النظرة البعيدة والأفق الواسع والعقل الراجح لم ترض لولدها ذلك، وحالها هنا على عكس الأمهات اللائي يلهثن وراء الشهرة، فما أن تحين فرصة كهذه حتى يسارعن إلى تشجيع أولادهن أو بناتهن لاغتنام تلك الفرصة!!لكن أم مالك وفي لطف شديد ولباقة جمة، استطاعت أن تصرف ولدها عن فكرته، وأن تختار بديلاً سريعاً لها، وهو العلم، ذلك الذي يرفع من قدر البيوت وإن كانت خاملة، ويعلي من قيمة الرجال، وإن جاءوا من حضيض الفقر وقسوة العوز (السرجان،عن مصطفى الشكعة، الأئمة الأربعة) يقول الإمام عن تلك الحادثة: نشأت وأنا غلام، فأعجبني الأخذ عن المغنيين، فقال أمي: يا بني، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه ، فدع الغناء واطلب الفقه، فتركت المغنين، وتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى(المصدر السابق) فهذه الأم الفاضلة العاقلة لم تكذب على ولدها وتقول له: إنه قبيح الوجه، إذ لم يكن الإمام مالك كذلك ، بل كان وسيماً ذا شقرة، وإنما أرادت أن توحي إليه بما يصرفه عن عزمه، فقالت قولتها تلك اللبقة المهذبة. (مصطفى الشكعة: الأئمة الأربعة) ولم تكتف الأم العاقلة بتوجيه ابنها إلى طلب العمل وحسب ، بل إنها ألبسته ثياب العلم ووجهته إلى من يتعلم منه، يقول مالك في ذلك: فألبستني ثياباً مثمرة، ووضعت الطويلة على راسي يعني القلنسوة الطويلة وعممتني فوقها، ثم قالت:اذهب فاكتب الآن!! ثم تختار له المعلم والأستاذ وكان أشهرهم آنذاك ربيعة بن أبي عبدالرحمن فتقول له: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه ومقصدها بالطبع هو تعلم العلم والأدب جميعاً. هذه أسئلة تطرح نفسها: من أين جاءت هذه الأم؟ في أي مجتمع نشأت وأي ثقافة أنجبتها؟؟وأي مدرسة تخرجت منها وأين نجد أمثال هذه الأمهات؟؟