كم هو مؤلم وباعث على الحزن حين تشاهد إعلاناً على شاشة إحدى القنوات الفضائية يتردد على مدار الساعة عن ملايين اليمنيين الذين يتهددهم الجوع ويحاصرهم الفقر،ويدعو ذلك الإعلان إلى حملة إغاثة تنظمها بعض المنظمات والجمعيات الخيرية في بلدان الثراء والثروات، وبذلك تتحول صورة الإنسان اليمني إلى حالة إنسانية تنتظر عطاء المحسنين وأهل الخير في تلك الدول. ربما يكون هذا هو واقع الحال ولا مفر من الاعتراف بالحقيقة على مرارتها وقسوتها، لكن هذا الواقع هو الذي يفرض حالة الحزن لما آلت إليه أوضاع ملايين الناس في هذا البلد، لتصل إلى حالة سيئة أكثر من أي وقت مضى لأسباب لها علاقة مباشرة بالمناكفات السياسية عندما انشغلت النخب السياسية بمسألة الوصول أو البقاء في السلطة على حساب الإنسان والتنمية. بعد انحسار طوفان الأزمة التي عصفت بالبلد خلال العام الماضي وصولاً إلى هذه اللحظة التي لم تنفرج فيها الأوضاع ولم تزل أسيرة المماحكات والرغبة في السيطرة على المناصب، بعد تراجع ذلك الطوفان انكشفت وتكشفت النتائج الكارثية الناجمة عن تلك الأزمة والصراع على السلطة ليتحول ملايين الناس في هذا البلد إلى مجرد إعلان لحالة إنسانية على شاشات التلفزة. أُثقل كاهل الاقتصاد الهش أصلاً بمشكلات إضافية وتكبد خسائر من إنتاج الأزمة والحروب التي جرت في أكثر من مكان كجزء من متطلبات الصراع على الكراسي، ومع كل تلك المشكلات والخسائر زاد عدد الفقراء أضعافاً مضاعفة وذهبت وعود الرخاء السريع أدراج الرياح وعجزت الحكومة عن صون ماء وجه هذا الشعب الذي تحول إلى حالة غير مسبوقة من البؤس والحرمان فذهب من ذهب ليتبنى حملات إغاثة لإنقاذه من الجوع والفقر وكل هذا على حساب كرامة هذا الشعب أولاً وأخيراً. أنا على يقين مطلق بأن هذا الوضع المأساوي الذي يبدو الآن لم يكن حتمياً نظراً لكوارث طبيعية أو لأسباب أخرى خارجة عن الإرادة البشرية، وكان بالإمكان ولم يزل تفادي هذه النتيجة التي وصلنا إليها لو أن أطراف الصراع والأزمة جعلوا من التنمية ومن الإنسان هدفاً أساسياً منذ البداية ولو أنهم عملوا بروح المسئولية بعيداً عن الشخصنة والحسابات الخاصة، ولو أنهم تجاوزوا الشعارات القادمة من رحم الأزمة والأهداف القادمة من مطابخ المشيخات والقبائل. أخشى أن يأتي يوم تذهب فيه الحكومة لتتسول مرتبات الموظفين حين تعجز عن دفعها وهو أمر متوقع بالنظر إلى الظروف السائدة في البلد وبالنظر إلى الأداء الذي لا يرتقي إلى مستوى المرحلة الراهنة وتعقيداتها بسبب بعض الأطراف الذين يعملون بالنيابة عن تجار ومشايخ الأزمات والصراعات والحروب لا من أجل مصلحة البلد والناس. لن نخرج من دوامة الأزمة ولعلنا سنشهد أزمات أشد وأكبر وستواجهنا أزمات اقتصادية عاصفة طالما ظلت بعض مكونات الحكومة تعمل بالنيابة عن أصحاب المصالح والحسابات الشخصية، وطالما ظل أولئك يفكرون بالمزيد من الأرباح والمكاسب والسيطرة على المناصب وغاب عنهم أن الوضع القائم سوف يقلب الطاولة على رؤوس الجميع وأرقام الفقر والفقراء تبعث على الخوف الحقيقي.