شعرت بارتياح ومتعة كبيرة حينما تصفحت نشرة صدى القابلة.. لسان حال جمعية القابلة- مديرية الصلو -.. كانت جميلة بكل ما تعنيه الكلمة إخراجا ومضمونا , ولونا ، وجمالا ، وهذه المميزات قد لاتتوفر حتى في بعض كبريات الصحف ناهيك عن نشرة لجمعية في هذا المستوى.. فحجم أي جمعية يتحدد من واقع ما تقدمه من خدمات تلبي متطلبات السكان ، ولكني ومن واقع هذه النشرة الصغيرة الجميلة ، وما تركته في نفسي من انطباع جيد استطيع أن أقول بأن الجمعية تمتلك مشروعا وطنيا جيدا ، ووعيا بأهمية إشراك المجتمع المحلي في إدارة الشأن المحلي . وهذا لا يتعارض مع قناعتي المطلقة بأن الجمعيات الخيرية والقروية التي تشكلت في الواقع اليمني منذ تسعينيات القرن الماضي في عموم الساحة الوطنية .. هي حالة من العبث وإهدار المزيد من الوقت والجهد والإمكانيات لأنها لاتستند إلى رؤية علمية واقعية ، ولهذا تحولت غالبيتها إن لم اقل جميعها إلى عبء على المجتمعات المحلية ، لأنها تنطلق من وعي بالهوية القروية والانتماء الضيق إليها لا الهوية الوطنية الأكثر اتساعا وافقا ، ولهذا جاءت خططها غير منسجمة مع الواقع الموضوعي ، ومع حجم التطلعات والإمكانيات المادية المتاحة ، عكست واقع الطموح غير الموضوعي ، وغير المنسجم مع الإمكانيات المادية والبشرية .. صحيح أن الجمعيات المحلية غنية بمواردها التنموية والبشرية ولكن هذه الموارد ستظل عاجزة عن إحداث الفعل التنموي المؤثر إذا لم تتوحد هذه الإمكانيات في إطار أوسع واشمل وتعبر عن تطلعات المجتمع المحلي الأكثر اتساعا وتستفيد من امكانياته المادية والبشرية.. وبالتالي استغلالها استغلالا واعيا وفي إطار بناء وتنمية قدرات هذه الجمعيات . واستطيع التأكيد بأن الجمعيات القروية جميعها فشلت . بل تحولت إلى عبء على المجتمع وتحولت إلى مجرد ديكور سياسي لنظام سياسي تعود المتاجرة بأحلام ومعاناة الناس واستثمارها وطنيا وإقليميا ودوليا للحصول على دعم سياسي ومعنوي ممن يراهنون على أهمية إشراك المجتمعات المحلية في استنهاض واقعهم وتطويره ، وفي إدارة شئونهم المحلية بشفافية وموضوعية . وفقا لاستراتيجية تنموية جديدة تستفيد من معطيات العصر التي تقتضي استثمار المجتمعات المحلية وإدماجها في عملية التحولات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة .. بحيث يتحول الفرد في ظل هذه العملية . من مجرد متلقٍ ومنتظر للخدمات .. إلى فرد منتج ومشارك في صناعة هذه التحولات. فقد حان الوقت لإعادة دراسة الواقع الموضوعي بموضوعية وعقلانية وفقا لمقتضيات الضرورة الاجتماعية والتنموية . ووفقا لذلك يعاد بناء هذه الجمعيات بما يتلاءم واحتياجات ومتطلبات الواقع ، وبما يحقق نهضة فعلية. فالمجتمعات المحلية تعاني من التسيب والإهمال ، والفقر والبطالة ، والتهميش وربما السخرية .. يصل الأمر حد النظرة الدونية للبعض الآخر وهذه القضايا بمجملها . تدفع هؤلاء إلى الانخراط في العمليات الإرهابية والعدوانية. والجمعيات بوضعيتها هذه لايمكن أن تحل مشكلات الفقر وتفشي البطالة والأمية والشعور بالعجز إلا وفق إستراتيجية جديدة تتحول بموجبها هذه الأدوات التنموية إلى تقديم المعرفة والخبرة للمجتمع واكسابه مهارات وخبرات جديدة وإعادة انتاجه بما يمكنه من التغلب على الفقر والبطالة والانخراط في الأعمال الصناعية الصغيرة ، وابتكار طرق ووسائل جديدة للعمل ((ليس المهم أن تهديني سمكة ولكن الأهم أن تعلمني كيف اصطاد )) فالبيئة اليمنية الريفية تحديداً غنية بماتكتنزه من موارد وجمال وفرص الاستثمار والاستمتاع بجماليات الطبيعة .. هذا ماينبغي أن تتجه نحوه هذه الجمعيات فإحياء الصناعات التقليدية والسياحية وإعادة إنتاجها بوسائل حديثة وبسيطة أمر في منتهى الأهمية والضرورة ..فالطبيعة لاتزال مؤهله لتقديم المزيد والمزيد .. واستغلال الفرص ضرورة تقتضيها التوجهات الجديدة والأكثر أهمية أن ترتبط هذه المشروعات بالفئات الاجتماعية الأكثر فقراً وعلى وجه الخصوص المرأة و المهمشين والحرفيين وكذا بجماليات البيئة والشجرة والمدرجات الزراعية وتنمية الوعي الجمالي للسكان والقضاء على الأمية كمدخل مهم للقضاء على الفقر . ومديرية الصلو من أهم المديريات الواعدة .. ومجتمعها حيوي يحمل وعياً تنموياً مدنياً علاوةً على أنها مخزن أثري وتاريخي نعتز به وكانت إلى وقت قريب مشهورة بإنتاج العديد من الخضروات والفواكه والنباتات العطرية وبكميات مكنتها من تغطية احتياجات الأسواق المجاورة لاسيما البصل والثوم واللوز والسمسم بل اشتهرت بصناعة أحد أنواع الحلويات التي تعتبر حصريا عليها والمعروفة محليا ب (السكر الأحمر ) . وتعتبر الصلو من أقدم المناطق التي عرفت العمل المدني في اليمن حيث أسس أبناؤها عام 1939م ( جمعية الصلاوية ) والتي تضم عمالاً من أبناء المنطقة العاملين في إطار ميناء عدن وقتها والمعروفين بعمال المرفأ ، وتعتبر هذه الجمعية ثاني منظمة اجتماعية يتم إنشاؤها في عدن حينها بعد جمعية النجارين التي تم تأسيسها عام 1935م. ولكي تستعيد الصلو دورها التاريخي في هذا الإطار لابد لها من جمعية ترث هذا الدور و ترتبط بالواقع و باحتياجات المجتمعات المحلية فيها ويمكن أن يكون هنالك أكثر من جمعية متخصصة في هذا الإطار وفي تنمية الوعي الجمالي بالبيئة وهذا في تقديري سيكون احد الحلول الضرورية لمشكلة المجتمعات المحلية ، وبخصوص جمعية القابلة التي نحن بصددها أرى أهمية إعادة النظر في اسمها بحيث تكون جمعية الدملؤه التنموية باعتبار أن الدملؤه رمزاً تاريخياً لليمن بكاملها .