لمجرد أن يدرك المرء أن اليمن وبحسب الكثير من المعطيات تعيش واقعاً اجتماعياً وسياسياً ومعيشياً صعباً ومعقداً يستشعر من الوهلة الأولى خطورة الوضع نتيجة للعديد من السياسات الخاطئة التي تحولت بموجبها منظمات المجتمع المدني إلى عبء اجتماعي واقتصادي على المجتمع وأصبحت هذه المنظمات عبارة عن ظاهرة تحتاج إلى معالجة كخطوة أولى لمعالجات الاختلالات التي أدت إلى ظهور هذه الإشكالية القائمة والمتمثلة بتغيير نمط النظام السياسي الذي خلق هذا الوضع وهذه التشوهات الاجتماعية من خلال بناء دولة مدنية تتمتع بمقومات البقاء والاستمرارية وهي الدولة التي خرج الناس إلى الشارع لإحداثها. واليمن تنفرد بأكبر عدد من المنظمات الاجتماعية إذا ما قارناها بأمثالها من دول المنطقة ولكن هذه المنظمات في اليمن ظاهرة صوتية أو مجرد أنها فرقعات صابون. وقد كتبت في هذا الأمر في العام الماضي عندما تناولت جمعية القابلة بالصلو لا باعتبارها جمعية قروية صغيرة ولكنها كجمعية استطاعت أن تسجل لها حضوراً اجتماعياً وتنموياً في الواقع رغم شحة إمكانياتها ومحدودية منتسبيها في امتلاك إرادة التغيير وكذا لامتلاكها كادراً نوعياً استوعب متطلبات التغيير. ولهذا استطاعت أن تغير الصورة القاتمة لمنظمات المجتمع المدني وأعادت إلى الأذهان المجتمع المدني الصلوي الذي استطاع في ظروف أكثر صعوبة وتخلفاً أن يبرهن على مدنيته وشراكته التنموية الفاعلة وذلك منذ أن تأسست جمعية الصلاوية في عدن عام 1939م من القرن الماضي والتي تشكلت من قبل مجموعة من عمال (المرفأ) للدفاع عن حقوقهم وبرهنت هذه الجمعية عن طبيعة هذا المجتمع المدني وما يمتلكه من رؤى متقدمة. واعتقد أن جمعية القابلة قد تمكنت فعلاً من تغيير النظرة المعتمة لمنظمات المجتمع المدني ولكن لابد أن يتحول ذلك إلى ثقافة اجتماعية مدنية عامة وإلى سلوك يومي للمجتمع فالمجتمع المدني لا يحتاج إلى المزيد من تبديد طاقاته في أشكال تنظيمية عليلة لا تخدم إلا السلطة السياسية القائمة لأن السلطة لا تخدم المجتمع وإنما تسعى إلى استثماره في خدمة توجهاتها. واعتقد وبحسب علمي أن بعض الجمعيات بدأت تراجع أسلوب عملها وأسلوب تعاطيها مع الواقع الاجتماعي الجديد في ظل المتغيرات الثورية التي حدثت في المجتمع فينبغي أن تغادر جمعيات المجتمع المدني أسلوب تفكيرها القديم وترتبط بمتطلبات واحتياجات المجتمع في المرحلة الحديثة وبذلك تستطيع الانطلاق نحو آفاق اكثر إشراقاً واستشرافاً لدورها المستقبلي تجاه المجتمع الأكثر اتساعاً والأهم من ذلك أن تكون مرتبطة بالهوية الاجتماعية والجغرافية لمنطقة نشاطها. في عدن قديماً وكما أسلفنا تشكلت جمعيات ونواد اجتماعية وثقافية وفكرية كانت أكثر ارتباطاً وتعبيراً عن مجتمعاتها القروية ولهذا تمكنت من إحداث وعي ثقافي واجتماعي مكنها من العمل من أجل التغيير والتحديث والتطوير. والدولة حالياً وبعد المتغيرات التي حدثت معنية بإعادة النظر في طبيعة نشاط الجمعيات ككل والعمل على ربطها بالواقع وينبغي أن يكون هدفها الأساسي يتمثل بتنمية وعي المجتمع وبناء قدراته المهنية والتنظيمية والإدارية. فالتنظيم الاجتماعي المدني ينبغي أن يكون مؤسسة تربوية تتولى إعداد وتأهيل المجتمع ويكون دورها مرادفاً لدور الأسرة في إعداد الفرد وربطه بمحيطه الاجتماعي والثقافي وعلى هذه الجمعيات أن ترتبط بخصوصيات البيئة. ولو أخذنا بعين الاعتبار منطقة الصلو فالمنطقة تتمتع بخصائص مدنية متميزة و إرث حضاري فريد منذ أن اتخذت عاصمة للدولة الزريعية في بداية تأسيسها عام 1048م تقريباً وكانت الأسبق إلى نشوء وتطوير المجتمع المدني والثقافة المدنية وهي علاوة على ذلك منطقة زراعية تميزت بإنتاج محاصيل خاصة بها. ولا تزال تنفرد بذلك وتقوم بتسويقها في المجتمعات المحيطة بها. ولهذا ينبغي أن يعاد النظر في طبيعة نشاط الجمعيات وتطوير الوظيفة الاقتصادية والاجتماعية لها لكي تتمكن من الارتباط الإيجابي بمجتمعاتها المحلية وإذا أعدنا النظر في طبيعة نشاط هذه الجمعيات وفقاً لهذه الرؤى يعني أنها ستقوم بعملية إكساب مجتمعاتها مهارات جديدة وخبرات تمكنها من تحويل هذه المجتمعات من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة تعتمد على نفسها في إشباع حاجاتها المادية من إنتاج الخيرات المادية. رابط المقال على الفيس بوك