يتأتى في المرتبة الثانية من أمهات الحقوق الانسانية حق حماية المال. المقصود بالمال هنا ليس النقود و انما الموارد الاقتصادية سواء تلك التي تستغل او تلك التي لا تستغل. فالمال هو الموارد الطبيعية من التربة و الماء و الهواء و المعادن الظاهرة و الباطنة و المناخ و هو كذلك عناصر الانتاج مثل الارض و العمل و رأس المال و التنظيم. بمعنى ادق فإن المال هو كل شيء له قيمة حالية او مستقبلية. و من الواضح ان القيمة هنا لا يقصد بها القيمة النقدية و انما يقصد بها انها تسد حاجة من حاجات الانسان اي ان القيمة هي مدى تقدير الانسان للمنافع التي يمكن الحصول عليها من استغلال اي مورد من الموارد. و على هذا الاساس فإن المال مرتبط اي بالمعرفة. فالمعرفة هي التي تبين فما اذا كان شيء على وجه الارض يمكن ان يستغل لخدمة الانسان و بالتالي فإن قيمة هذا الاستغلال مرتبطة بالمعرفة التي تحدد قيمته الحقيقية و التي قد تختلف عن القيمة النقدية او قد تتفق معها. و على هذا الاساس فإن المال هو يرغب في تملكه. و من ثم فإنه ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق نظام الملكية. فما لا منفعة منه فإنه لا فائدة من تملكه. و يحدث ذلك اذا لم يكن هناك اي قدرة على استغلاله او اذا كان متوفرا بقدر كبير مما يمكن كل انسان من الحصول عليه و بدون عناء. و لعل ابرز مثال على ذلك الهواء في حال التنفس و اشعة الشمس في حال التعرض لها. فلا احد يحتاج الى شرائهما من احد و بالتالي فلا احد يرغب في تملكها. و رغم ضرورتهما للحياة فإنهما لا يعتبران مالا الا في حالات نادرة اي في حال السياحة. و يمكن تقسيم المال بطرق مختلفة بحسب العرض من هذا التقسيم. فهناك من يقسمه الى قسمين هما الممتلكات الشخصية و التي تشمل المنازل و السيارات و الاثاث و الدخل في الفترات الماضية اي الادخار و راس المال و التي تشمل المصانع و الآلات و المعدات و المناجم و الابحاث التطبيقية و اي شيء اخرى يدخل في عمليات الانتاج للسلع و الخدمات. المال بهذا المعنى ضروري للحياة حتى بأبسط معانيها. اذ انه لا يمكن لأي انسان كائن من كان ان يعيش بدون الحصول على الغذاء و الكساء و السكن. و المال بهذا المعنى هو الذي يفور اساسا للحياة. فبدونه لا يمكن ان تستمر. و كذلك فإن المال يحسن من نوعية الحياة اي يجعلها اكثر ابهارا و متعة. بواسطة المال يمكن تحسين نوعية الغذاء سواء من حيث المكونات الغذائية او من حيث المذاق. و كذلك فإنه يمكن تحسين الملبس سواء من حيث التنوع او التلاؤم مع الجسم في درجات الحرارة المتعددة و المتقبلة او سواء من حيث الألوان و الابهار. و المال يمكن ان يحسن من مزايا السكن من حيث المساحة و الديكور و الاثاث و غير ذلك من وسائل الترفيه. المال بهذا المعنى يحتاج الى حماية. لكن حمايته لا ينبغي ان يكون على حساب حماية الحياة. انه وسيلة لاستمرارها و تحسينها و من ثم فإنه لا ينبغي ان يتحول الى غاية والحياة الى وسيلة له. و لسوء الحظ فإن ذلك هو ما يحدث على ارض الواقع. و في هذه الحالة فإن كلا من الحياة و المال يتضرر. و ظاهرة الفقر هي التي تشير الى هذه الظاهرة والتي سنناقشها بشكل كبير فيما بعد. و من اجل الحفاظ على العلاقة بين الحياة و المال فإنه من الضروري ان تتحاور المجتمعات فيما بينها و فيما بعضها البعض على القواعد التي تنظم طرق حماية الحياة و المال معا بحيث لا يطغى احدهما على الآخر. و لعل من ابرز القضايا التي تثار عن التباحث حول اي عقد اجتماعي او انساني ينظم ذلك هو الملكية سواء الخاصة او العامة و الحدود الفاصلة بينهما. و في هذه الحالة فإن التاريخ البشري قد اثبت بما لا يدع اي مجال للشك ان كلا النوعين من المليكة ضروري لحماية حق الحياة. و على الرغم من ذلك فإن المزيج المناسب بين الاثنتين لم يتم الاتفاق عليه بعد و بالتالي فلا زال ذلك محل نقاش واسع. لقد اوضح القرآن اهمية المال منذ اكثر من اربعة عشر قرنا. و لذلك فقد حظي بنصيب كافي فيه. و اذا ما حاولنا ان نناقش وجهة نظر القرآن حول المال فإنه يمكن القول انه قد تعرض له من عدد من الزوايا. فاذا ما تم النظر الى هذه الزوايا على انفراد فإن ذلك سيصعب تكوين فكرة واضحة عن تعامل القرآن مع المال. لكن ذلك سيختفي اذا ما تم النظر اليه من كل الزوايا و هذا ما سنفعله. الزاوية الاولى هي الاعتراف بأهمية المال و بالتالي ضرورة حمايته. انما الحياة الدنيا لعب ولهو وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم ولا يسالكم اموالكم. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا. الذي يؤتي ماله يتزكى. ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا. الزاوية الثانية و هي ضرورة حماية اصحاب الاموال الضعفاء. «واتوا اليتامى اموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم انه كان حوبا كبيرا». «وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم ولا تأكلوها اسرافا وبدارا ان يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فاذا دفعتم اليهم اموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا. «ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا». «يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما». «واخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا اليما». «ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم وصآكم به لعلكم تذكرون». «يا ايها الذين امنوا ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون اموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم». «ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا. وما آتيتم من ربا ليربو في اموال الناس فلا يربو عند الله وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون. «ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم تعلمون». الزاوية الثالثة و هي الدور الكبير الذي يمكن ان يلعبه المال في الحياة العامة. «خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم والله سميع عليم» .«ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون».«مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».« يا ايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين». «ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنة بربوة اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير». الزاوية الرابعة هي انه و على الرغم من اهمية المال فإنه لا ينبغي ان يعطى اولوية على حق الحياة. «قالوا يا شعيب اصلاتك تامرك ان نترك ما يعبد اباؤنا او ان نفعل في اموالنا ما نشاء انك لانت الحليم الرشيد».« المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا». «وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الا من امن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات امنون». «وفي اموالهم حق للسائل والمحروم». «اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور». «الذي جمع مالا وعدده». «يحسب ان ماله اخلده». «ما اغنى عنه ماله وما كسب». «وتحبون المال حبا جما. يقول اهلكت مالا لبدا وما يغني عنه ماله اذا تردى. «وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم». فمن خلال هذه الزوايا يمكن ان نناقش الضوابط التي اقتراحها القرآن لجعل المال يؤدي الدول المطلوب منه و ان لا يتحول من سيلة لتطوير الحياة الى وسيلة لتدميرها. هذا ما سنفعله بإذن الله في الحلقات القادمة.