تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم؛ لأنّ ربّنا واحد، وديننا واحد، ونبيّنا واحد، ونعيش في بلد واحد، نتشارك فيه العادات والتّقاليد ونتقاسم همومه ومشاكله، فلماذا إذًا الفرقة والتّناحر؟ ولماذا يسعى بعضكم إلى ابتلاع الآخر وإنهائه من الوجود؟ تظنّون أنّكم تحبّون أمير المؤمنين علي -كرم الله وجهه- وأهل البيت وحدكم دون سواكم، ووالله الذي لا إله غيره، إنّنا نحب عليًّا -رضوان الله عليه- ونتولاّه وذرّيته، بل ونتقرّب إلى الله بحبّهم، وما جرى من اختلاف بين الصّحابة نرى أنّ عليًّا هو صاحب الحقّ والرّأي الصّحيح، وهو الصّحابي الجليل وابن عم النّبيّ الشّجاع الضّرغام العالم القاضي الفقيه، كما نحبّ زيد بن علي، وذرّيته؛ فهو من عرّى الرّافضة وأنكر عليهم سبّ الصّحابة، وسمّاهم الرّافضة بعد أن عرضوا عليه الخروج معه إذا هو تبرّأ من الشّيخين فقال: كما تعلمون “اذهبوا فأنتم الرافضة فلا حاجة لي بكم”. لكم اجتهادات في المذهب ورؤى نحترمها ونعذركم فيها، ولقد تعايش اليمنيّون مئات السّنين دونما تمييز أو فرقة، بل اجتمعوا كلّهم على حرب الفرق الضّالة كالقرامطة وغيرهم، فلماذا إذًا نتناحر نحن، ونجعل من وطننا بؤرة صراع وتصفية حسابات بين دول إقليميّة؟ أيّها الحوثيّون، تعالوا إلى كلمة سواء، لنعمل على تحقيق مصالح بلدنا، وننزع فتيل الأزمة، ونفوت الفرصة على المتربّصين من الفرس واليهود وغيرهم، تعالوا لنتفق على أصول الإسلام وأركانه وعقائده الكبار، ليلتئم الجرح، ويتوقّف النّزيف، وتُحقن الدّماء، وتُحفظ الأرواح، ولتتوجّه السّواعد إلى مواجهة الأخطار التي تواجه بلدنا. فليس الخلاف معكم في إسدال اليدين في الصّلاة أو وضعهما على الصّدر؛ فهذا لا يخرج من الملّة، وليست زيادة جملة في الأذان أو قراءة الأذكار بصوت جماعيّ بمخرجة من الملّة أو مسوّغة للخلاف والفرقة، إنّما الشّأن في الاتّفاق على الأصوليّات وعدالة الصّحابة وخلافنا الأساسيّ معكم في التوسّع بالقوّة، والذي تسمّونه جهادًا، فبالله عليك أيّ جهاد في يمن الإيمان والحكمة التي أسلمت لبارئها وجاءت لرسول الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم، مسلمة مطيعة وبطريقة سلميّة دونما قتال، حتى استبشر صلّى الله عليه وآله وسلّم وتهلّل وجهه، وقال كلمته المشهورة: “أتاكم أهل اليمن. هم ألين قلوبًا وأرق أفئدة. الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية، والفقه يمان”. هؤلاء هم اليمنيّون.. ألين قلوبًا وأرقّ أفئدة، أسرع النّاس لاتّباع الحقّ، فما بال قلوبكم اليوم أقسى من الصّخر! وهي تسعى جاهدة لقتل قلوب وسحق جماجم وسفك دماء طاهرة؟! أيّها الحوثة، من حقّكم أن تردّدوا أيّة شعارات تختارونها، ومن حقّكم أن تقولوا نعم أو لا لأيّ شيء، ومن حقّكم أن تقولوا الموت لأمريكا وإسرائيل، ولكن ما بال تلك الشّعارات الرّنّانة تخفي وراءها القتل والدّمار لأبناء بلدكم و وطنكم؟ بالله عليكم ماذا كنتم تعملون في الجوف؟ وما هي الرّحلة السّياحيّة المكلفة التي قمتم بها إلى حجة؟ فهل وجدتم أمريكيًّا او إسرائيليًّا واحدًا لتذيقونه طعم الموت؟ أم أنّكم وزّعتم الموت على شيوخ وأطفال وشباب تلك القرى التي لا حول لها ولا قوّة، والتي لم تجد بدًّا من أن تدافع عن نفسها؟! هذه مشكلة الشّعارات المستوردة، حزب الله اللّبنانيّ ردّدها، ومن حسن حظّه له حدود مع إسرائيل فقد يجد له إسرائيليًّا ويقتله، أمّا أنتم فلم تجدوا غير اليمنيّين لتطبّقوا عليهم شعاراتكم... أيّها الحوثيّون، لماذا الاعتماد على القوّة مادام أنّكم أصحاب حجّة وبرهان ومذهب؟! فانشروا مذهبكم بالدّعوة وبالتي هي أحسن، ودونكم النّاس، اكسبوهم بأفكاركم وأخلاقكم، لكن لا تقتلوهم ببنادقكم وحقدكم... أيّها الحوثيّون، أنتم تدّعون أنكم مع القرآن وتريدون القرآن، وعندما يقول لكم القرآن: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا) ذهبتم إلى صعدة، واستفردتم بها، وعزلتموها عن باقي اليمن، ولم تتوقّفوا عند هذا الحدّ وحسب، بل ذهبتم إلى الجنوب ورفعتم علم الانفصال، وأيّدتم من يدعو إلى ذلك، فبأيّ حديث بعد الله وآياته تؤمنون؟! أيّها الحوثيّون، تدعون إلى الدّولة المدنيّة، وكلّنا نريد تلك المدنيّة، طبعًا بمفهومنا الإسلاميّ كشعب مسلم: يعني نريد الحريّة والدّيموقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة، وكلّ معنى جميل لا يتعارض مع الدّين، لكنّكم أردتموها شعارًا فقط، وتمارسون عكسها تمامًا من عنصريّة مذهبيّة، وطائفيّة سلاليّة استعلائيّة، وأنتم السّادة وما سواكم دون ذلك!! وفي صعدة تفرضون مذهبكم على النّاس وتفرضون الجبايات معه، وتمارسون مهامّ الدّولة، فأيّ مدنيّة هذه التي تتشدّقون بها، وأنتم تعملون أعمال العصابات وقطّاع الطّرق! أيّها الحوثة، إنّكم تفكّرون بعقليّة الماضي، وتقرؤون التّاريخ دونما أخذ العبر، وإنّما تطبّقون بعض وقائعه بحذافيرها، دون النّظر إلى فارق الزّمن والبيئة والمتغيّرات. نحن الآن نعيش في عصر وزمن غير ذلك الزّمن والعصر... أيّها الحوثة، إنّكم تزعمون أنّكم على المذهب الزّيديّ، فما بالكم ترتمون في أحضان ملالي وآيات طهران، وتغترفون من وَحْلهم ولديكم ماء معين، أأغرتكم المادّة والشّعارات الرّنّانة؟ ألم يكفّروكم وكتبهم شاهدة بذلك؟ لقد كانت دومًا رؤية الاثني عشريّة للزّيدية عدائيّة، بل وتكفيريّة، بما في ذلك تكفير الإمام زيد، كونه ادّعى الإمامة وهو غير مستحقّ لها. وقد وردت في كتب الاثني عشرية روايات في تكفير من ادّعى الإمامة لنفسه حتى ولو كان علويًّا فاطميًّا: “من ادّعى الإمامة وليس بأهلها فهو كافر”. وهذا شيخ الإسلام عندهم (المجلسي) يقول: “كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدّالّة على كفر الزيديّة، وغيرهم من الفرق المضلّة المبتدعة، ومذاهبهم السّخيفة الضّعيفة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم”. وفي ( بحار الأنوار / المجلسي /باب 49 نادر في ذكر مذاهب الذين خالفوا الفرقة المحقة في القول بالأئمة الاثني عشرية) عن محمد بن الحسن عن أبي علي عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عمّن حدثه قال: سألت محمد بن علي الرضاع عن هذه الآية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) قال نزلت في النصاب و الزيديّة و الواقفة من النصاب، أقول كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدّالة على كفر الزيديّة و أمثالهم من الفطحية و الواقفة و غيرهم من الفرق المضلّة المبتدعة ... ثم إنّ علماءكم من المذهب الزيديّ -إن كنتم حقًا تنتسبون إليه- شنّعوا عليهم أعني الرّافضة، بل ووصفوهم بأقذع الأوصاف، فهذا إمام المذهب في اليمن ومؤسّسه وهو الإمام يحيى بن الحسين الملقّب بالهادي يقول عنهم في كتاب الاحكام في الحلال والحرام (1/365/367) في معرض حديثة عن الشّيعة الإماميّة “هذا الحزب حزب الشّيطان حزب الإماميّة الرّافضة للحقّ والمحقّين، وقول هذا الحزب الضّالّ ممّا لا يلتفت إليه في المقام لما هم عليه من الكفر والإيغال والقول بالكذب والفسوق والمحال، فهم على الله ورسوله في كلّ أمر كاذبون، ضادّوا الكتاب وجانبوا الصّواب، وأباحوا الفروج”..انتهى. وغيرها من النّصوص الكثيرة التي تجرّم هولاء الرّافضة”. وأخيرًا أيّها الحوثيّون، نعيش وإيّاكم في سفينة واحدة، وبحرنا متلاطم الأمواج، تهزّه عواصف شتّى يمنة ويسرة، فإن نحن تعاونّا في ما اتّفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، وسموْنا فوق الخلافات، وعشْنا كما عاش آباؤنا وأجدادنا، وجعلنا من حبّنا لوطننا سُلّمًا للبناء والتّعاون، وانتشال البلاد من أزَمَاتها المتفاقمة فزنا برضا شعبنا وقبله رضا الله، وحفظْنا وطننا ونهضْنا به، وأرسيْنا سفينتنا في شاطئ آمن .. وإنْ استسلمتم لنوازع الشّرّ ووساوس الشّيطان غرقت السّفينة، ولفظكم الشّعب، وأوْدعكم التّاريخ في مزبلته، وغدَوْتم أضحوكة بين الأمم...