صعقت أمام المحاسب وهو يخبرني عن قيمة مشتريات ابنتي العزيزة خمسة آلاف ريال!!هل جنت ابنتي !! تشاغلت ابنتي عني وكأنها لم تر نظرتي الغاضبة مما حصل.من عادتي في التسوق مع البنات أترك لهن حرية انتقاء ما يرغبن فيه من مستلزمات مدرسية وأنشغل أنا في متابعة أي جديد في المكتبات وتسجيل ملاحظاتي على تصرفات الأطفال داخل المكتبة،فتحت “الكيس” لأرى ما الذي اشترته ابنتي بهذا الثمن الباهظ وصدمت !!مجموعة هائلة من الأقلام وبألوان لم أشاهدها أو أسمع بها من قبل!!ماهذا يا ابنتي !لم كل هذه الأقلام والألوان!!تمنعت وبدأت تنذرني بعاصفة من البكاء فهي وسيلتها لكي ترغمني على القبول دون نقاش!!لكني لم أستجب لها هذه المرة ،وبدأت أخفف من عدد الأقلام التي اشترتها.إصراري منعها من البكاء . عندما نحاول أن نعطي أبناءنا الحرية في شراء مايرونه مناسباً لهم فإننا نهدف إلى غرس ثقتهم بأنفسهم من ناحية ومن ناحية أخرى نهذب أذواقهم. ولكن لابد لنا قبل كل هذا أن نغرس لديهم قيمة مايشترونه ومدى حاجتهم له ،فالأطفال بشكل عام تشد انتباههم الألوان والأشكال،ويتنافسون للحصول على المستلزمات المدرسية التي تماثل في أشكالها أبطالهم الكرتونيين،ونساهم نحن ومن دون وعي أحياناً ومع وسائل الإعلام في غرس وترسيخ أفضلية بعض المستلزمات عن الأخرى لأنها تأتي على شاكلة بطل كرتوني معين ،دون الالتفات لأي قيمة تربوية نغرسها في أطفالنا.فالقلم الرصاص مهمته استيعاب المعلومة والتدرب عليها .لا أرى له أي مهمة أخرى سواء كان بمائة ريال أو بألف ريال !!وينطبق ذلك على جميع المستلزمات المدرسية،أتذكر وأنا طفلة في الصف الأول الابتدائي أن والدتي العزيزة رفضت أن تشتري لي قلماً جديداً بدلاً عن قلمي الرصاص إلا بعد أن عجزت أناملي الصغيرة عن الامساك به !ورغم ذلك كنت أستطيع القراءة من الصف الأول الابتدائي. مستلزمات الطالب المدرسية وجدت لمهمة واحدة ومحددة هي أنها وسيلة تعليمية تساهم في فهم واستيعاب المعلومة والتدرب عليها. لذلك علينا أن نغرس هذه المفاهيم في نفوس أبنائنا لتصبح سلوكاً يساعدهم على اجتياز عقبات وصعوبات التعلم بدلاً عن الانشغال بتوافه الأنواع والأشكال والمباهاة فيما بينهم!!تقول إحدى الأمهات«أنا لن أشتري لابنتي أي قلم بعد اليوم نتيجة لإهمالكم في الحرص على أقلامها من الضياع»وكانت الاخصائية الاجتماعية تحاول أن تشرح لها أن الأطفال في هذا العمر الصغير يهملون قليلاً أدواتهم المدرسية ،ولابد من تعاون البيت والمدرسة في غرس قيم الحرص على هذه الأدوات! إلا أن ولية الأمر لم تستجب وأصرت أن المدرسة وحدها تتحمل المسؤولية.عند أول اجتماع بكادر التدريس طرحت على المعلمات هذه المشكلة , وكيف أن حجم التطور في هذه المستلزمات لم يواكب ارتفاع مستوى التحصيل عند أبنائنا بل العكس تدهور مستوى التعليم وخاصة القراءة والكتابة بشكل كبير ،وتوصلنا إلى آلية نطبقها في المدرسة وهي توحيد الأدوات المدرسية شكلاً ونوعاً ولوناً ،وتم تشكيل فريق عمل من المعلمات لانتقاء الأنواع الجيدة من هذه المستلزمات ، وتحديد الكميات المطلوبة لكل طالب للعام الدراسي كاملاً وبقاؤها في المدرسة.وتم إبلاغ أولياء الأمور بهذا النظام وضرورة الالتزام بهذه النوعية وكانت تجربة جديدة على الجميع بمافيهم نحن ،واستجاب عدد كبير من أولياء الأمور وتململ البعض الآخر إلا أنهم بعد مرور شهر من بداية العام الدراسي لمسوا أهمية هذا الإجراء فمن ناحية لم يعودوا لزيارة المكتبات لشراء ماأضاعه أبناؤهم ،ومن ناحية أخرى لمسوا التغيير الإيجابي والبعد التربوي لهذه التجربة.فقد هذبت هذه التجربة عادات أبنائهم الاستهلاكية فأصبحوا يقدرون قيمة أي شيء يشترونه ... فأصبحوا أكثر تعاوناً،يراعون مشاعر الغير في الحفاظ على حقوقهم.ساعدت هذه التجربة في التخفيف من حدة الغيرة بين الأطفال وألغت الفروق بينهم داخل المدرسة ونمت لديهم حب التعاون. المدارس وجدت لتساهم في تربية الأبناء وتعليمهم بكافة أدواتها ومستلزماتها .. فالقلم الرصاص يكتب ويمسح...فقط. ودمتم ،،،