الرئيس السابق علي عبد الله صالح كثيراً ما يردد حكاية الفراغ الدستوري الذي كان حاصلاً قبل توليه السلطة واعتلائه سدة الحكم وقبل تكوين المؤتمر الشعبي العام ، وهذا إدعاء غير صحيح وغير صادق البتة ، فقد يكون حدث حينها فراغ دستوري نتيجة لاغتيال الرئيس أحمد الغشمي الذي كان مخططا له أن يحدث ، حتى يعطي الفرصة لبعض القوى في الداخل والخارج أن تمهد لتأتي بعلي عبد الله صالح لتولي السلطة واعتلاء سدة الحكم وهو ذلك الذي كان مجهولا لا يعرفه أحد إلا القلة القليلة المقربين منه وهم زملاؤه في المعسكر الذي كان ضابطاً صغيراً فيه .. ولولا أن الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي أخذه من موقعه السابق ليعينه قائداً عسكرياً لمحور تعز لظل مجهولاً حتى نهاية عمره ، وعند ذلك بدأ نجمه يبزغ ويلمع وبدأ يطمح ويزاحم ويخطط ليصبح رئيسا عقب الجريمة الشنعاء التي أودت بحياة الشهيد الحمدي وثم اغتيال خلفه أحمد الغشمي ، فبذلك حدث الفراغ الدستوري نتيجة لتخوف العديد من رجال السياسة وكبار ضباط الجيش من عاقبة من سبقوهم ، فلم يجرؤ أحد أن يقدم على تولي مسئولية السلطة ، وهو ما كان مطلوباً ومخططاً له، حتى يأتي علي عبد الله صالح من تعز بعد أن أرسلوا له طائرة تأتي به من معسكر خالد إلى إحدى معسكرات الدبابات ثم يجتمع بعض الضباط ليمهدوا الطريق ليصير صالح رئيسا للبلاد بعد أن جرى تشكيل مجلس للرئاسة برئاسة القاضي عبد الكريم العرشي كممهد ليطلب بعد أيام قليلة جداً علي عبد الله صالح ليقسم اليمين أمام أعضاء مجلس الشعب ليكون رئيسا للجمهورية .. وبذلك سد الفراغ الدستوري المزعوم المفتعل ، الذي حصل نتيجة لجرائم ذهب ضحيتها رئيسان سابقان وعدد من معاونيهم ، فذلك هو الفراغ الدستوري الذي شغلنا بالحديث عنه الرئيس السابق صاحب الامتياز للمؤتمر الشعبي العام ، أما المؤتمر الشعبي فلم يأت نتيجة للفراغ الدستوري كما يزعم صالح وإنما قد يكون جاء نتيجة للفراغ السياسي وانعدام الأحزاب والتنظيمات السياسية نتيجة لحظرها وتحريمها عقب قيام الثورة السبتمبرية تنفيذاً لرغبة الأخوة المصريين الذين كانوا أثناء تواجدهم العسكري يتسلطون على مقاليد الأمور فلم يكونوا يرغبون بمن يعارضهم ولو سلمياً ثم كان التحريم دستوريا في عهد لقمان اليمن وحكيمها القاضي عبد الرحمن الإرياني.. نتيجة لرغبات القوى التقليدية وضغوطها واعتبار ذلك سبيلاً ومدخلاً للعمالة الخارجية كما جاء على لسان القاضي الإرياني في إحدى خطبه بأن ( الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة ) وأنا على ثقة أن ذلك القول لم يكن إلا مجاملة وإرضاء للقوى التقليدية التي لا تحب المنافسة لحرصها على التفرد بالنفوذ والسلطة ، وقد كان بإمكان الرئيس السابق صالح إذا كان صادقا وراغباً بالعمل الديمقراطي ومؤمناً به أن يجري تعديلا دستورياً ويلغي المادة التي تحرم الحزبية ويفتح المجال لتعددية حزبية وسياسية وبذلك يملأ الفراغ السياسي ويطلق الحريات والديمقراطية ، ولكنه لم يرد ذلك .. فقد كان ذلك أفضل وأسلم كما حصل بعد عودة الوحدة المباركة ، ثم كان بإمكانه أن يشكل ويكون الحزب الذي يقتنع به ، وينافس الآخرين في العمل السياسي والحزبي ويخوض الانتخابات بكافة أشكالها الرئاسية والبرلماني والمحلية ، لا أن يأتي بتنظيم اختار هو أعضاءه من أزلامه وأعوانه ومريديه ومن يعملون معه في السلطة ومن يلتقون في وجهات النظر والأفكار من مشايخ ووجهاء وضباط كبار وأعيان وموظفين صغار وكبار الذين رأوا في تنظيم المؤتمر وسيلة لوصوليتهم وانتهازيتهم وإثبات ولائهم للسلطة ومن يمسك بزمامها .. فأصبح ذلك المؤتمر للأسف الشديد ومع احترامي للشرفاء القلة القليلة فيه عبارة عن تجمع لأصحاب المصالح والوصوليين والانتهازيين ومفرخة للفساد والفاسدين ، وظل كذلك طوال ثلاثون عاماً لا يستفيد من أخطائه ولا استفاد حتى من تجربة الأحزاب والتنظيمات التي يقال إنها انضوت تحت مظلته ، فقد كان الأولى له بدلا من ذلك العبث أن يطلق الحريات الفكرية والسياسية والتعددية الحزبية وينافس بتنظيم يؤسسه تحت أي مسمى ، فلربما كان سيسطر له تاريخاً ناصعاً مشرفاً أفضل مما هو عليه الآن .. وربما كان سيجنب البلاد والعباد مغبة وشر ما حدث أخيرا فلا يتيح لأية جهة داخلية منها أو خارجية أن تعبث بأمن البلاد واستقراره وفرض الوصاية عليه ، ولكنه بصدق وحقيقة بسوء عمله وبسياسته الخاطئة واعتماده على الجهلاء والسيئين من بطانته وأقاربه يتحمل اكبر المسئوليات لكل ما حدث ، فهو للأسف الشديد أراد أن يسير البلاد ويحكم ويتسلط بعد عودة الوحدة كما كان يفعل قبلها ، ولم يدرك استحالة ذلك في ظل التعددية السياسية والحزبية ووجود فرقاء آخرين ، حيث كان يعالج القضايا والمشكلات بتصرفات تزيد تفاقما حتى وصل الحال إلى ما نحن فيه ، وحتى صار من هم أفسد منه يزايدون عليه .. وانطلاقا مما سبق ومن منطلق النصيحة الصادقة أتمنى على رئيس المؤتمر أن لا يكرر حديث الفراغ الدستوري أو السياسي فإنه بذلك إنما يخدع نفسه ويغالطها وبدلاً من أن يكحلها أعماها ، فما فعل طوال سلطته أنه أدام بقاءه في السلطة ليس إلا ولكن بتضحيات جسيمة وآلام تجرعها الشعب تحت ويلات القمع والجبروت اللذان مارستها أجهزته القمعية والأمنية تحت شعار من ليس معنا فهو ضدنا ، مما أدى إلى استبعاد الكثير من الوطنيين المخلصين الشرفاء وذوي الكفاءات إلا من رحمه ربه أو له سند عشائري أو قبلي .. وإني أتمنى أيضا على رئيس المؤتمر صالح أن يعيد النظر في تركيبة المؤتمر وفي أسلوب عمله وسلوكيته ، وأن يتيح للشرفاء من أعضاء المؤتمر وللدماء الجديدة أن يكون لهم القول الفصل في مسار التنظيم حتى يصحح مساره ونهجه السياسي ليصبح جديراً بثقة كل المنتمين إليه وجميع أعضائه وليكسب ثقة عامة الشعب ويسهم بجدية وبفعالية وصدق وإخلاص في العمل السياسي والتنموي في البلاد .. بدلاً عن المماحكات والمكايدات والتغني بالماضي الذي لا يشرف ، وليكن المؤتمر هو المبادر بحسن النية وتقبل الأمر الواقع ، وتجسيدا لذلك حبذا لو يتنحى الرئيس السابق صالح عن قيادة المؤتمر ومن هم حوله الذين بوجودهم أساءوا للمؤتمر ولم يحسنوا إليه ، ليتيحوا لغيرهم أن ينهضوا بالمؤتمر من جديد ليصبح فعالا ومؤثراً حاضراً ومستقبلا ، فهذه نصيحة صادقة حريصة على بقاء المؤتمر ليثري الحياة السياسيبة ويشكل عامل توازن فأن يبقى المؤتمر بشرفائه ولو كانوا قلة أفضل من بقائه مع مفسديه وعتاولته من مشايخ لا يجيدون إلا الفود والهبش والتفود ، وعلى المؤتمريين أن لا يصدقوا من يقول لهم أن المؤتمر هبة إلاهية فذلك افتراء على الله ونفاق ، مع احترامي الشديد لقائله والله المستعان ..