لا يبدو أن ثمة أملاً في نجاح مهمة المبعوث الأممي – العربي الأخضر الإبراهيمي لوقف شلال الدم السوري ، وبالذات بعد التصريحات التي أدلى بها الرجل عقب مقابلته الرئيس الأسد، حيث غلب عليها مجرد التحذير من خطورة الوضع (!) ثم مضى مغادراً دمشق إلى أجل غير مسمى . ومع أن الكثير لا يعوّل على مهمة المبعوث الأممي الجديد الأخضر الإبراهيمي انطلاقاً من تعقيدات المشهد الدولي والإقليمي إزاء هذه الأزمة، فضلاً عن التعقيدات الداخلية، إلاّ أن القليل مازال يتمسك بتلابيب هذا الأمل الذي يحمله الإبراهيمي للحيلولة – على الأقل – دون تصاعد دخان المشهد المأساوي، على أمل أن تجد الأسرة الدولية لهذه الحالة التي تتخندق فيها الأطراف المعنية داخل مجلس الأمن الدولي حلاً لوقوف الانقسام الحاد في المنطقة بين التيارين التقليدي والرديكالي والتي تقودهما كل من إيران والسعودية إزاء قضايا الصراعات المذهبية وتصادم المصالح المتباينة و تحت مسميات لا علاقة لها بالقضايا المركزية وتحديداً القضية الفلسطينية التي يدعي كل طرف وصلاً بها !! ومنذ تعيين الإبراهيمي في هذه المهمة قبل نحو شهرين كانت - ولا تزال- صعبة ، خاصة بعد فشل المسئول الأممي السابق كوفي عنان وإعلانه تلك النهاية التراجيدية ! ومن هنا فإن الإبراهيمي ليس بأكثر خبرة من عنان أو قدرة على التعاطي مع هذا الملف ، خاصة أن القوى الإقليمية والدولية المتعارضة في مواقفها لا تزال هي نفس القوى وتتخذ نفس المواقف .. ومن جهة أخرى فإن المهمات التي أوكلت إلى الإبراهيمي في وقت سابق من تاريخ عمله في الأممالمتحدة لم تنجح في أغلبها، ابتدأ من مهمته في أفغانستان التي لا يزال وقع حربها الضروس يصم الآذان ثم في اليمن عقب نشوب الأزمة السياسية التي لم ينجح في فك طلاسمها حتى انفجرت الحرب في صيف عام 1994 م ، وكذلك في لبنان والكونغو وغيرها من المهمات التي كُلف بها الرجل ولا تزال شظايا بعضها تتطاير حتى الآن ! وعلى الرغم من حالة التشاؤم هذه إِلاّ أن قلوب السوريين وكل المحبين لهذا البلد ستبقى معلقة إلى حين يعود المبعوث الاممي مرة أخرى إلى العاصمة السورية دمشق، لعله يكون قد وجد ثغرة في جدار هذا التشدد والتصلب ينفذ من خلالها إلى إيجاد تسوية مرضية لحل هذه الأزمة المستعصية التي أتت على الأخضر واليابس والتي يمكن أن تلقي بظلالها السلبية على أمن واستقرار دول المنطقة ككل. وفيما يرى المراقبون ضرورة أن يتنازل النظام عن مواقفه المتشددة وتمسكه بخيار الحسم العسكري فإن البعض الآخر يرى أهمية أن تتضافر جهود المعارضة السورية في الداخل و الخارج على كلمة واحدة والاستقلالية عن إملاءات قوى المحيط الخارجي ، و بالتالي الجلوس إلى طاولة الحوار لمناقشة سبل الخروج من دوامة العنف والدم، إذ أن من شأن هذه التنازلات المتبادلة بين السلطة والمعارضة إيجاد الأساس المتين لبدء مرحلة جديدة تأخذ بعين الاعتبار سلامة واستقرار الشعب السوري وتجنيبه المزيد من الانزلاق نحو مخططات التقسيم .. وهو ما ينشده المبعوث الأممي في مهمته هذه، حيث لا سبيل أمامه لإحداث هذا الاختراق في جدار التصلب غير طرق الأبواب المواربة وفي مقدمة ذلك الأبواب الروسية والأسوار الصينية والقلاع الإيرانية من أجل المواءمة مع مواقف الأطراف الأخرى التي لا تقبل بغير ذهاب الأسد ، وهو مربط الفرس الذي تعارضه الدول المؤيدة للنظام السوري .. الأمر الذي يلقي بمخاوف من استفحال الأزمة و امتداداتها التي لا يمكن لا أحد التنبؤ بمخاطرها على الأمن الإقليمي و الدولي . ..وإلى أن يعود الإبراهيمي إلى دمشق من جديد ، ستبقى تلك الآمال معقودة على ما يحمله من أفكار بناءه ومقبولة على الرغم من حالة التشاؤم السائدة باستحالة نجاح المهمة مهما اتسعت حفلة البخور للتبشير بإعادة السيف إلى غمده ، و بإمكانية اندمال الجرح .. فهل يفعلها الإبراهيمي ويخيب تلك التوقعات التشاؤمية ، ويعيد إلى هذا البلد رائحة الياسمين عوضاً عن روائح الموت و الدمار و الدم .. كلنا يأمل ذلك تمشياً مع قول الشاعر العربي : ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لن تفرجُ