بتُّ على يقين وقناعة تامة أننا في اليمن لايمكن ان نحل مشاكلنا حتى لو درت علينا السماء من فوق رؤوسنا ذهبا إلا في حالتين اثنتين لا ثالث لهما.. الأولى:أن نغلب المصلحة الوطنية العلياء على مصالحنا الذاتية.. والثانية:أن ينحاز الإعلام الى جانب قضايا الوطن ويتحرر الاعلاميون من الارتهان للسلطة والأحزاب والمنظمات والجمعيات الخيرية لاسيما وأن ثورة الشباب المباركة قد هيأت لليمنيين جوا مناسبا لتحقيق ماكان يتطلع اليه زملاؤهم شباب الضباط الأحرار الذين كان لهم الفضل في تفجير ثورة26سبتمبرعام 1962م ،ولكن لأن هناك من جاء واستغل الثورة واستطاع ان ينحرف بأهدافها والالتفاف عليها ليخرجها عن مسيرتها الأصلية فجمد الحياة وأحرم شباب الثورة السبتمبرية من تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم التي قدموا التضحيات الكبيرة من أجلها..ولكن لأن الاستمرار في الثقة والايمان بالمستقبل لن يقوم الا على اكتاف الشباب كونهم نصف الحاضر وكل المستقبل فإن شباب اليوم قادرين على تحقيق أحلام الشعب اليمني ولن يثنيهم فشل تحقيقها في الماضي من مواصلة السيرقدما الى الأمام ليكملوا مابدأ فيه أسلافهم ولن يصيبهم اليأس أويثنيهم عن تحقيق الأهداف التي ثاروا من أجل تحقيقها وفي مقدمتها تصحيح مسيرة ثورة( سبتمبرواكتوبر) المجيدة..ويكفي الشباب فخرا أنهم اسقطوا مشروع التوريث العائلي ووقفوا في وجه المشروع الانفصالي أهم معوقين كانا يقفان في طريق الدولة المدنية الحديثة وكان من ابرز نتائج ثورتهم المباركة إرساء مبدأ التداول السلمي للسلطة وتحقيق العدل والمساواة وهو ما أثار حفيظة أولئك الذين تعودوا الاصطياد في الماء العكر غير مدركين أن عجلة التغيير قد دارت ولا يستطيع أحد إيقافها. وإن كان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: كيف يتفق منطق السلوك الحضاري الذي أرساه الشباب ولغة التهديد والوعيد التي مايزال البعض يلجأ اليها لتصفية حساباته مع الآخرين بحجة تضرره من حرية الرأي ضارباً بذلك عرض الحائط بكل القوانين والأنظمة التي يجب ان يلجأ اليها كل متضرر وأخذ حقه بموجب القانون لا بلغة التهديد إن كان له حق. إذاً فإن ما ضربه شعبنا اليمني من نموذج في السلوك الحضاري أثناء ثورة الشباب حين أرسى مبدأ التداول السلمي للسلطة وقضى من خلال الاحتكام الى الحرية والديمقراطية يوم 21فبراير الماضي2012م على كل الصراعات السياسية الدموية التي كثيراً ما جرت الويل والثبور وعظائم الأمور على الشعب اليمني حين كان يلجأ كل طرف لاغتصاب السلطة بالقوة او من خلال تزييف إرادة الشعب بانتخابات صورية قد اصبح نهجا ثابتا يؤسس لمرحلة جديدة لايمكن التراجع عنه أبدا ولن يسمح الشباب بتكرار تجيير الثورة لغير صالح أهدافها المعلنة.. لكن لأن البعض قد أزعجهم هذا السلوك الحضاري وهذا التوجه الجديد فإنهم يحاولون إفساد هذا السلوك والتشويش عليه بما يقومون به من خرق للنظام وتجاوز كل القوانين مطلقين لغة التهديد والوعيد بحجة ضيقهم من الرأي والرأي الآخر.. مع ان على المتضرر اللجوء الى القضاء وهو الذي سينصفه ويقضي بمعاقبة من أساء إليه. ومن المفارقات ان من يطلق اليوم مثل هذا التهديد البعيد جداً عما يحاول اليمنيون ان يتفردوا به بين دول المنطقة كنموذج يحتذى به.. هومن كان بالأمس يمارس حقه في التعبير والتحكم في الرأي وفرضه على الآخر الى درجة خروجه عن المألوف وتجاوز بكثير الحرية المسموح بها وهويرتكب اليوم من الإساءات ضد الآخرين ما يعاقب عليها القانون. ولكن في ظل حرية الرأي والرأي الآخر الذي ينعم بها كل أبناء الشعب اليمني بفضل التوجه الجديد لا أحد يسأله من المتضررين ولم يهدد حتى برفع دعوى قضائية عليه كما هو حاله وهذا يعد -في حد ذاته- تصرفاً حكيماً يعكس مدى الوعي والإدراك الذي يتمتع به اولئك الذين لحقت بهم الإساءات من قبل هذا الطرف أو ذاك. اذاً فإن اللجوء الى القضاء هو أول وآخر ما يجب على المتضرر أن يفعله وحينها فإن القضاء سينتصر له بلاشك ويأخذ له حقه ممن أساء اليه إن كان قد حدث مثل هذا العمل وسيقف الجميع الى جانبه. اما ان يحاول عرقلة المسيرة بحجج وذرائع واهية فهذا أمر غير مقبول، وانما بهذا التصرف الأهوج قد يفتح على نفسه أبوابا هو في غنى عن السماح للآخرين الدخول عليه منها ومحاسبته على افعال ستظل حاضرة في الذاكرة ولن ينساها له الشعب اليمني أبدا نظرا لما ألحقت به من أذى وجعلته متأخرا عشرات السنين عن غيره من الشعوب التي سبقته مع انه كان الأجدر به أن يكون في المقدمة لو انه توفق بادارة واعية ونظيفة تقود مسيرته بطريقة سليمة وتوظف ثروته لخدمته وتنميته .. فالإنسان قد كرمه الله وليس من حق اي احد ان يعتدي على هذه الكرامة مهما كانت المبررات.. لكن لو كل واحد منا أصر على أن يأخذ حقه بيده فمعنى ذلك أننا نعيش في ظل شريعة الغاب وان كل ما صنعناه واصبح مثار فخر واعتزاز لكل اليمنيين أمام الآخرين قد تبخر وكأننا فقط نضحك على انفسنا.. فهل يتعظ من يلجأ الى مثل هذه الاساليب العقيمة التي عفى عليها الزمن ويستفيد من تجارب الآخرين الذين استطاعوا من خلال فعلهم الحضاري ان يرتقوا بشعوبهم الى أسمى مكانة في هذا العالم المترامي الأطراف واصبح يشار اليها بالبنان احتراماً لسلوكهم الحضاري، وهو مايجب علينا في اليمن ان نقتدي بهم لكي نتمكن من اللحاق بالركب وننطلق من جديد شرط ان نضع مصلحة الوطن والشعب فوق أية مصلحة خاصة وان ينحاز الإعلام بالكامل سلطة ومعارضة ومستقل الى جانب القضايا الوطنية والابتعاد عن التعصب لأية جهة مهما كانت.