والله لو جرَفَ العدوّ بيوتنا ورمت بنا خلف المحيط زوابعُ لظللت أؤمن أن أمتنا لها يوم من الأمجاد أبيض ناصعُ بيتان للشاعر عبدالرحمن العشماوي، من قصيدته: الأمل القادم، أحببت أن أفتتح بهما مقالتي المبشرة بثورة الأمل، ثورة شباط السلمية الجديدة التي لم تُقهر ولم تلن ولم تتراجع، محرابها الساحات والميادين، وظلالها الخيام والبساتين، لا تسمع للأفاكين ولا للشياطين، وستبقى سلمية سلمية مهما تكالب عليها الأعداء وتآمر عليها المتآمرون، وستظل نبراساً للأجيال حيناً بعد حين. هذه الثورة اليمنية الجديدة التي ولدت من بين صُلب رجال التغيير والحرية وترائب ثورة أيلول التي فجّرها أحرار اليمن يوم الخميس ال 26 من أيلول في 1962م، فما أجمل الوالد! وما أفضل المولود! وما أحسن الثورة الأم! وما أعظم الثورة البنت!!. لقد ولدت الثورة الشبابية الشعبية اليمنية الجديدة من رحم ثورة ال(26) من أيلول الخالدة والمشرقة التي تحتفل بها بلادنا هذا العام في عيدها الثامن والأربعين. إذا كانت ثورة أيلول ثورة عصماء قامت على أعمدة وأركان متماسكة ومترابطة منذ أول وهلة، وراحت جماجم وأرواح في سبيل تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها جاءت ثورة الأمل مكملة لها وفقاً للمعادلات الآتية: جاء الهدف الأول لثورة أيلول المشرقة بالعنوان الآتي: (التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات)، وعليه جاءت ثورة شباط الجديدة بهدفها المطابق المتمثل ب: (إسقاط النظام الفردي الأسري الاستبدادي)؛ لتتوافق مع ثورتها الأم، قائلة: انتهى وقت الاستبداد والاستعمار وانتهي النظام الأسري والإمامي الاستبدادي إلى غير رجعة. كما جاءت ثورة أيلول بهدف آخر مفاده: (بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها)، وعليه أيضاً جاءت ثورة شباط بهدف يشابهه مفاده: (إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس وطنية حديثة وبما يضمن حياديتها)؛ لأن بقاء الجيش والأمن تابعين لعائلة أو فرد وحمايتهما، تتولد فيهما – الجيش والأمن - الانهزامية والتواكل، بعكس ما إذا كانوا تابعين للوطن وحمايته الذي يكسبهما القوة والعزيمة والرجولة ورباطة الجأش، من خلال حماية البلاد وحراسة الثورة على أسس حديثة. كما جاءت ثورة أيلول بهدفها الثالث المتمثل ب(رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً)، نجد أن ثورة شباط في أهدافها الثالث والرابع والخامس تجسّد تلك الحقيقة قائلة:(تحقيق نهضة تعليمية شاملة تلبي تطلعات الشعب اليمني وتستعيد مكانته الحضارية، وبناء اقتصاد وطني قوي يكفل حياة كريمة للمواطنين، واستقلالية السلطة القضائية بما يضمن تطبيق العدل والمساواة)، فلا عذر من عدم رفع مستوى الشعب في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها التي غابت عن الشعب اليمني طيلة 33 عاماً بفعل نظام فاسد استمد فسده وطغيانه وجبروته من نظام الإمامة البائد؛ فعمل على تجريع الشعب كثيراً من الحروب والفتن والثارات والفساد بدلاً من النهضة والتقدم التي تميزت بها دول وأمم أخرى في شتى ربوع المعمورة. وإذا كانت ثورة أيلول قد قالت في أهدافها الرابع والخامس والسادس:(إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف، والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة، واحترام مواثيق الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم)، فإن ثورة شباط الجديدة جاءت مكملة لتلك الأهداف بالقول: (بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحقوق والحريات العامة وتقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات واللامركزية الفاعلة). ومن أجل ذلك ترسّخ الأمن والاستقرار في ثورة أيلول وانتهى عهد التخلف الإمامي الذي طبق الظلم والظلام على الشعب اليمني وتآمر مع الاستعمار البريطاني لأجل الحفاظ على حكمه والبقاء أكبر فترة في ظلمه وجبروته، وجاء بعدها العلم والمعرفة والخير العميم لليمن الكبير، وطُرِد الظلمة وحكام الطاغوت الإمامي إلى الأبد، وتم القضاء على فلول بيت حميد الدين ومرتزقتهم، وها هي ثورة شباط تمر على المنوال نفسه بإسقاط علي عبدالله صالح، وتحاول القضاء على فلوله ومرتزقته؛ ليحيا اليمن من جديد عبر روّاد التغيير والحرية في جميع ربوع اليمن. فالثورات الحقيقية تولّد ثورات أحق بالبقاء والاستمرار والخلود، ولم يبق إلا التفاؤل بالأمل القادم الذي سيولد من رحِم الحق والقانون والعدل والمساواة في شتى بقاع اليمن الحبيب. [email protected]