في أساس التأملات المفترضة فإن أي مشروع هو «طوباوي» في المعنى الدقيق للكلمة، إذا كانت حوامله خيالية، ويستند إلى غايات وحيثيات لا تتفق مع إرادة التغيير.. هذه الغيرية المطلقة هي الدلالة الواضحة على «اليوطوبيا»..! ثورة التغيير التي بدأت بخجل في حياتنا السياسية والاجتماعية والفكرية، أصبحت اليوم تتجذر تدريجياً لتمتد أفقياً ورأسياً، ولتشمل كل الفضاء الواسع، والمشترك بين الناس.. الحزب والعمل والمدرسة..وحتى البيت، وفي كل المكونات ونسيج المجتمع، إلى أن تجعل الفرد يصنع ثقافته وذاتيته وقناعاته...! وفي هذا النموذج الثوري السلمي تصبح كل أوجه الوجود اليومية والحياتية، محامل للتغيير المنشود. الإنسان اليمني أصبح - كما يبدو - قابلاً للتغيير ومتعاطياً جيداً مع مفاهيمه ومضامينه، وهو مستعد لأن يسبح في هذا النهر؛ إذ إن الأمر قد ارتبط حقاً بمصيره، ولا حاجة ولا معنى بنظري لانشغال البعض بوضع المطبات والكوابح في طريقه؛ لأن هذا السلوك لم يعد مجدياً أكثر مما هو معرٍ لهؤلاء المشدودين لماضي الاستبداد والفساد..! حيث المكاسب السياسية لثورة التغيير لم تعد ضرباً من «اليوطوبيا»، بل صارت واقعاً معاشاً.. وإذا كانت هذه المكاسب قد تغذت حتماً من «اليوطوبيا» في تعاطينا معها.. فإن «اليوطوبيات» وحدها ربما قادرة على إخراج الحكومة من دورتها العقيمة المولدة للأشياء المتكررة البعيدة عن الاحتياجات المتفاقمة للمواطن..! حكومتنا الرشيدة تحاول في هذه المرحلة أن ترسم أمامها الحالة التي ستصل معها إلى الكمال.. وهذه الحالة لا تستطيع أن تستقيها إلاَّ من الخيال؛ لأنها لم توجد بعد، ولن توجد..!! إنها حالة «طوباوية»... ومن الضروري أن نضيف بأن مقاربة «طوباوية» لمشكلة الكهرباء والأمن، وربما بعد حين أزمة مياه الشرب، تبدو أساسية بنفس الدرجة، مثل: مقاربتها مع التغيير وهو في بداياته..؟! بهذا تجبرنا الحكومة على التسليم بأنه ما من تغيير وتحديث معاصر حقاً، ومثمر فعلاً يبدو ممكناً دون ممارسة «طوباوية»!! وبهكذا قد يغدو مشروع البحث عن قطعة «خبز» ضرباً من باب «اليوطوبيا». [email protected]