إن الأمم والشعوب الأكثر قدرة على البقاء والاستمرار في الحياة والتأثير فيما حولها هي تلك الأمم التى تستطيع أن تصنع أقدارها ولا تتوقف في محراب الأحلام والغائية بانتظار السماء أن ترزقها أقدارها (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون), ولذا لا تقاس أعمار الأفراد والأمم بالسنوات بل بالأعمال والإنجاز والقدرة على مقاومة أمراض الصراع فهذا هو المعيار الحقيقي في حساب الحياة الفعل والعمل على مستوى صناعة الفعل والفعل ذاته , أي يكون الأمر ينطوي على التخطيط ورسم المسار ومن ثم العمل عليه وليس الاتكاء على العشوائية والآمال الممجوجة ..إن الفعل يعني الحركة والحركة تعني الانتقال من مستوى الى آخر والانتقال يعني التغيير الذي هو من سنة الحياة والكون, وقواعد التغيير وادواته تبدأ من الذات لتنتقل الى المحيط الذي ننتمي إليه , والتغيير من الذات له اشتراطات أجلها الادراك والوعي بالذات وسنن الحياة , نحن العرب كأمة مصابون بالافق الضيق في الرؤية ونظل ندورحول الهدف دون أن نصيبه , نحسن صناعة الصراعات ولا نحسن إدارتها أو الانتصار فيها والى اليوم ونحن نجني ثمار تلك الطريقة الكسيحة في التفكير , نتحدث عن التغيير وفي قرارة أنفسنا نرفض ذلك , نمتلك ادوات التغير ولا نستخدمها لدينا مقومات النهوض ونرميها وراء ظهورنا , أمة أغرقت بالصراع والرفض للآخر في حالة فصام ثقافي وفكري بين ديننا وسلوكنا , مائة عام ونحن على جبهة القتال لم ترتح خيولنا ولم تجف سيوفنا من صراع مع طواحين الهواء وما أسميناها العلمانية وماكادت تتشكل الجبهة الاولى حتى كنا قد أقحمنا في جبهة جديدة وطاحونة أخرى اسمها الشيوعية وعشرات السنين ونحن نصول ونجول نطارد الوهم وهذا هو دأب هذه الامة في جميع صراعاتها ..فلسفة الصراع الذي نحن نتمثلها بجدارة ولا نتعلم من أخطاء الماضي , فالعرب ظاهرة صوتية بامتياز وشعوب لا تمتلك في مسيرتها غير بعدين فقط من أبعاد الوجود الانساني وهما الماضي والحاضر ويختفي البعد الفاعل في التقدم وهو المستقبل , فشعوب تتضرع بماضيها فينعكس ذلك الماضي في مرآة ليست من زمنه وهي الحاضر فيظهر الماضي مشوهاً والحاضر مسخاً لكائن يعيش خارج زمنه الحقيقي فلا ماضيها مرجع ولا حاضرها ينفع بل لا رؤية لوجودها في الغد وهو المستقبل , مائة عام ونحن على جبهة قتال من طرف واحد في حين أن الآخر يبني ذاته ويحقق مشروعه ولعل هذه من الاخطاء الاستراتيجية التى ارتكبها العرب وكما قال هيكل إن العرب أرتكبوا خطأ في صراعهم مع تركيا العلمانية , وهو مشهد يتكرر بشكل درامي فج في صراعهم مع إيران ولم يستفد العرب بعد من تكنيك الاحلاف الاستراتيجية والا من اختيار أدوات التنافس البناء وأن تجاوز مرحلة الوعي السحري الذي يرفض النظر في الأسباب المعقولة ودوافع الصراع ونقل العبء والمسؤولية على الآخرين , لازلنا نفكر بعقلية الخطيئة , هناك تقنية في الصراع تسمى الساحات الافتراضية والاعداء الافتراضيين وهو مايطبق على العرب من المحيط الى الخليج , على جميع الدول العربية ومنهم اليمن على وجه الخصوص اعادة النظر في إشكالية الصراع مع جميع الاطراف في المنطقة كانت من أعداء الامس أو اليوم , فذلك اختصار للوقت وترشيد لصراع لا جدوى منه ونتائجه مدركه سلفاً , ولنعلم إذا لم نستبقهم ونذهب إليهم وبشروطنا سيأتون إلينا وبشروطهم ولن نستطيع بعدها أمرا, ولنا في صراعنا مع الغرب عبرة , ظللنا لعقود ننظر للصراع بوجهه السلبي ونتحرك وفق ثقافة السيف وليس وفق ثقافة الفكر والتعامل مع معطيات الواقع . إن المرحلة الراهنة في المنطقة العربية وما افرزته احداث مايسمى بالربيع العربي من اشكال الصراع على مستوى الداخل والخارج ميدانيا وسياسياً وفكرياً خلق حالة من التشرذم على مستوى الداخل وتكالب وتدافع على مستوى الخارج للقوى الدولية الفاعلة في المنطقة وذلك لتحريك قطع الشطرنج وفق استراتيجيتها واهدافها ومصالحها في المنطقة الملتهبة لتعزز وجودها الاستراتيجي الفاعل والمؤثر في مستقبل تلك الدول التى عصف بها اعصار الربيع العربي ووفق استراتيجية الحل والإزاحة التى تطبق في المنطقة خلال الثورات العربية 2011م , لتبرز قوى إقليمية تسعى بكل امكانياتها وأدواتها المشروعة وغير المشروعة لتشكيل خارطة المنطقة سياسياً وفكرياً وعسكرياً , فبرزت الى السطح تلك الصراعات والتدافع في المنطقة من خلال قوى راديكالية لها مرجعياتها الدينية او العسكرية , الإيراني والامريكي في صراع إيديولوجي ظاهره وسياسي في باطنه , مع غياب الدور الحقيقي لاصحاب الدار الحقيقيين في ذلك كله , لانشغالهم بصراعاتهم الداخلية التى غذاها ذلك الطرف أوالطرف الاخر لتفتيت كيان تلك الدول وتصبح قابلة لتمرير أي مشروع ارتهاني للخارج .. وتعد اليمن من اكثر الدول التى استهدفت بالمشروع السياسي الارتهاني .. حيث ما زال ابناء اليمن يتصرفون بنفس الفكر القديم ويتحدثون بذات النبرة القديمة في تشخيص واقعنا السياسي ووضعنا في تلك الصراعات وليس أدل على ذلك خطاب الأخ رئيس الجمهورية الاخير واشارته الى التدخل الايراني في اليمن الذي ليس بجديد على متتبع وضع اليمن ..لأن ايران لها مشروعها التوسعي في المنطقة ولكن كيف تواجه ذلك , ولا يمكن أن يتم ذلك من الخارج..إن اليمن يعيش حالة صراع متكرر ويعيش جراحاته وعُريه بجسده الممتد من البحر الى البحر أثخنه ابناؤه والسياسات والصراعات العقيمة , لايمكن أن نواجه مشروع الخارج إلا بمشروع الداخل الحقيقي والذي ينطلق من التنازل عن الشخصي من أجل العام وتطبيب جراحات هذا الوطن التى تدخل من خلالها تلك القوى الاقليمية والدولية فتنشر أمراضها ومشاريعها من خلال كيانات وقوى مرتهنة للذات والشخصي , والعمل على ستر عوراتنا السياسية والاقتصادية والتى جعلت اليمن راقصة بائسة في بار وقح , وحتى لا تتكرر مأساة هذا البلد خلال عقد الستينيات والسبعينيات حين كانت تدار أمور البلد مستقبلة من أروقه سفارات الدول العربية والأجنبية ونتحول إلى شعب لاحول له ولاقوة يحكم بالوكالة اوبالتبعية, وماأشبه الليلة بالبارحة .