الحوار اليمني ضرورة.. هذا هو عنوان مقال كنت كتبته في 27 اكتوبر 2007 في صحيفة البيان الاماراتية وأعيد نشره في عدد من المواقع الإخبارية اليمنية تحدثت فيه عن ضرورة الحوار الوطني وأهميته لإخراج البلاد مماهي فيه واستعرضت فيه جملة من العوامل التي أعتقد أنها كفيلة بإنجاح الحوار وكذلك العوامل التي قد تفشله . توقفت في ذلك المقال عند حالة الشك والريبة التي تصبغ علاقات قادة الأحزاب والقوى السياسية اليمنية وكيف انها تعيق أي حوار . وطالبت يومها بتغيير المتحاورين وتمنيت على الأحزاب والقوى السياسية أن تقدم أشخاصاً جدداً من الشباب أو الصفوف الثانية لأن حالة الشك والعداء بين قيادات الأحزاب التي ترسخت على مدى سنوات من العمل السياسي خلقت حالة من اللاثقة بين تلك القيادات يصعب معها تصور نجاح أي حوار تكون هي أطرافه . وبالفعل فقد أثبتت السنوات منذ ذلك الحين وحتى الآن صحة ما ذهبت إليه لكن أحداً لم يلتفت للأمر ولم يوله اي اهتمام وهذا طبيعي في بلد مثل اليمن.. واليوم ونحن نقترب شيئاً فشيئاً من مؤتمر الحوار الوطني ورغم كل ما مررنا به خلال تلك السنوات وخلال الثورة أجد نفسي مضطراً لإعادة نفس الكلام لأنه لا تجربة التعاون السياسي التي خاضتها أحزاب اللقاء المشترك ولا تجربة الصراع السياسي بينها والسلطة ولاحتى الثورة غيرت من أولئك القادة .. لقد تغير كل شيء في اليمن إلا علاقات قادة الأحزاب والقوى السياسية والقبلية ببعضها البعض وهو مؤشر خطير على أن الفشل ربما يكون المصير الحتمي لمؤتمر الحوار الوطني وهذه هي الكارثة بعينها فالوضع في البلاد لم يعد يحتمل اي فشل وإذا مافشل مؤتمر الحوار الوطني فإننا مقدمون على كارثة وكارثة كبرى لا يمكن التكهن بحدودها . التقيت قبل أيام في دبي بأحد القادة السياسيين الكبار وهو شخصية وطنية وقامة تحظى بقبول جماهيري غير عادي في اليمن وتحدثنا ضمن امور كثيرة ومتشعبة عن تجربة اللقاء المشترك وعن التغيير وشكل الدولة المنشودة والحوار الوطني والوحدة والحوثيين وغير ذلك من القضايا . كنت خلال اللقاء الذي حضره كثير من الزملاء الإعلاميين اليمنيين في الامارات أتابع إجابات الرجل وأسئلتنا التي كانت تنهمر عليه من كل حدب وصوب وكان ما يشغلني هو إدراك ما إذا كانت حالة الشك والريبة التي تحدثت عنها سابقاً قد تلاشت على الأقل بين قادة الأحزاب التي خاضت نضالاً مشتركاً ضد نظام صالح وعائلته، لكنني للأسف الشديد لم أجد ما يشفي غليلي فقد كانت تلك الحالة المرعبة من انعدام الثقة بين تلك القيادات تظهر بين ثنايا كلماته وخلف سطور عباراته وهو السياسي المحنك الذي حاول جاهداً أن تبدو الأمور جيده أمامنا. اضطررت في ختام اللقاء أن أسأله سؤالاً صريحاً ومباشراً وقلت له: سأسالك سؤالاً وأريد إجابة للتاريخ عليه وأنا أعلم أن الرجل لا يكذب ولا يماري فقال: اسأل . سؤالي كان عن أحد الأحزاب الرئيسية والمؤثرة في الحياة السياسية وهو حزب الاصلاح .. سألت الرجل من خلال تجربتكم في اللقاء المشترك الى أي مدى تغيرت قناعات الاصلاح ونظرته للأمور التي تحدثنا عنها بخصوص شكل الدولة والوحدة والديموقراطية .. فكانت اجابة الرجل صادقة وصادمة . قال بالحرف الواحد: من يتحاور معنا منهم يتفق معنا تماماً ورؤيتهم تتفق معنا لكننا لا ندري ماهي رؤى ونوايا الآخرين في الحزب . صعقتني حكاية لاندري ماهي نوايا الآخرين هذه .. إنه تعبير صارخ عن حالة الشك وانعدام الثقة التي تحدثت عنها في 2007 والتي مازالت تصبغ تفكير الناس حتى هذه اللحظة وأنا على يقين أنني لو سألت أياً من قيادات الاصلاح نفس السؤال لكانت إجابته نفس الإجابة أما بقية القوى كحزب الحق والقوى الشعبية فهي تعبر عن نفسها بشكل فاضح . مصيبة كبرى أن تظل حالة اللايقين هذه متجذرة بين قوى عملت مع بعض سنوات عدة وأنجزت مع بعض وثيقة الإنقاذ الوطني وغيرها من الوثائق ولنا أن نتخيل شكل الحوار القادم ونتائجه من الآن . لا أدري لماذا لا يقبل السياسي اليمني من شريكه أو خصمه ما يقوله علانية ولماذا يظل هذا السياسي يحاكم غيره على نواياه بل وعلى نوايا غيره؟ .. هذه مصيبة كبرى إذا لم نتخلص منها قبيل الحوار فلا فائدة ترتجى وعلى اليمن السلام.