-1- منذ كنت طفلاً حتى الآن وأنا أسمع هذا الوعي الهمجي المرعب يتقافز من مساجد عديدة بصيغ دعائية مختلفة، لكنها تتفق على التالي: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تترك منهم أحداً، واجعل أموالهم ونساءهم وديارهم وسلاحهم غنيمة للمسلمين في كل وقت وحين، وأذلهم، وبدل سعادتهم شقاء، وسلط عليهم في أموالهم وذريتهم وأبدانهم، ويتّم أطفالهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وجمّد الدماء في عروقهم، ويبّس أوصالهم يارب العالمين، بحولك وقوتك ياذا الانتقام.. آمين. على أن مثل هؤلاء الخطباء ورجال الدين العباقرة هم من شوّهوا الإسلام كثيراً بمثل تلك الصيغ الدعائية مثيرة الشفقة والسخرية؛ لأنها صيغ دعائية عاجزة غير إنسانية وغير متحضرة أيضاً؛ جرّاء ما تنطوي عليه من ممارسات دينية بغيضة ووعي إنساني مشين تجاه الذات والآخر معاً، ما يفسد مقولة : «إن الإسلام هو القدوة النموذجية لتعايش البشر وللسلام ولعدم تنمية الكراهيات والصراعات بين الأديان والحضارات...» إلخ. المهم أن الله لا يستجيب لدعاء هؤلاء الأئمة والمشائخ وخطباء المساجد الأفذاذ، ومع ذلك يستمرون في تأجيج الحقد الديني والتحريض المسعور على عدم سماحة الإسلام، مؤكدين بأنه دين عداوة للإنسانية كما يروّج للقتل فقط وكأنهم لم يسمعوا مثلاً ب «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، أو«ليس لك من الْأَمْرِ شَيْءٌ»، أو «جادلهم بالتي هي أحسن»، كما لا يأبهون بالأخلاق الحسنة لجوهر الإسلام، ولا بقاعدة «لا إكراه في الدين»، أو «ومن شاء فليؤمن ومن فيلكفر»، أو «ولا تزر وازرة وزر أخرى»... إلخ. -2- تذكرت «شيفرة دافنشي» : الرواية الأشهر التي نالت حيزاً واسعاً من الانتشار العالمي، وفيها محاولات للتشكيك بأسس وتاريخ العقيدة المسيحية، إضافة إلى إساءات واضحة، حتى إنها تسرد أحداثاً وتصورات تجمع كل الطوائف المسيحية، على أنها بمثابة خط أحمر، في حين تقف بجرأة بالغة ضد حقائق مسيحية لها حساسيتها الكبرى كنسياً.. لكننا ما عرفنا أحداً قام بالهمجية التي قام بها مسلمون مؤخراً إثر الفيلم ضد الرواية مثلاً وكاتبها الأمريكي «دان براون».. بل إن «شيفرة دافنشي» منذ صدورها في 2003 وهي تحصد المركز الأول على قائمة المبيعات في أبرز معارض الكتب الدولية؛ إذ تجاوزت مبيعاتها 200 مليون نسخة، كما ترجمت إلى أكثر من خمسين لغة، وقد تحولت إلى فيلم لاحقاً. أقصد أنه الفارق الجوهري من ناحية الوعي والمعرفة داخل عقلين: هشاشة وعينا وقوة وعيهم للأسف.. حيوية تماسكهم المعرفي وخوائنا المعرفي الجامد بالمقابل.