لفت نظري حديث الأخ يحيى الراعي، رئيس مجلس النواب أمام ندوة لمناضلي الثورة اليمنية وهو يؤكد على ضرورة الاهتمام بالمتقاعدين المدنيين والعسكريين وهي لفتة لا تخلو من دلالتها الإنسانية المراعية لأحوال هذه الشريحة التي أمضت أحلى زهرات عمرها في خدمة الوطن سواء في المجال المدني أو العسكري، بل وتزداد أهميه هذه الإشارة بالنظر إلى الثقافة المجتمعية السائدة التي لا تعير أدنى اهتمام بهذه الشريحة، حيث أهمية تغيير هذه الثقافة واستبدالها بأخرى تعيد الاعتبار والثقة والأمان إلى فئة المتقاعدين، وذلك لن يتأتى - بالطبع - إلا من خلال إحياء قيم الوفاء والتكريم وذلك بتحسين أوضاعها المعيشية لمواكبة المتغيرات السعرية والارتفاع المتزايد للمتطلبات الأساسية. لقد روى لي عدد من المتقاعدين مدى المذلة والمشقة التي يعانونها أمام شبابيك صرف رواتبهم الضئيلة التي لا تفي بقوت يومهم ,بل وفي نظرة المجتمع إلى المتقاعدين وكأنهم عالة على الدولة، وذلك على الرغم من علم الجميع بالأدوار البارزة التي اضطلعت بها هذه الشريحة خلال فترة أدائها في تحمل مسؤوليات الخدمة في السلكين المدني والعسكري ,فضلا ً عن المشاق التي تكبدتها والمعانات التي اجترحتها في ظروف شديدة التعقيد والصعوبة. ولست هنا بحاجة إلى التذكير بالقيم الحضارية الإنسانية التي يتعامل بها العالم المتقدم إزاء هذه الشريحة سواء من حيث ربط رواتبها التقاعدية مع مستويات المعيشة السائدة أو في حسن التعامل بإعطائها الأولوية في الخدمات وبالذات الصحية منها بالإضافة إلى إجلال واحترام المجتمع لها..حتى أن الانتقال إلى صفوف التقاعد يعد ميزة تمنح صاحبها أفضلية الجلوس على مقاعد النقل العام بدلاً عن البقاء وقوفاً وكذلك التخفيض في أسعار فاتورة العلاج و الطيران والسينما والمسرح والنقل. والاهم من كل ذلك إن هذه الشريحة وبخاصة التي تحمل منها الشهادات والخبرات لا يستغنى عنها ولا تعتبر كماً مهملاً - كما هو حال اليمن والدول العربية - حيث ينظر إلى المتقاعدين بازدراء ,بل إن العالم المتحضر يحتضن في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بهذه الخبرات المتراكمة للاستفادة منها. أما وقد حانت لحظات تكريم مختلف القطاعات والشرائح التي بذلت الغالي والنفيس في خدمه الدولة والمجتمع, فإنني أضم صوتي إلى دعوة الأخ يحيى الراعي رئيس مجلس النواب وهو يؤكد على ضرورة الاهتمام بالمتقاعدين خاصة وهم يمثلون شريحة واسعة من المجتمع ..وحتى يصار إلى إثراء هذه الدعوة بمزيد من النقاش والجدية في التطبيق فإنني أتمنى على جمعية المتقاعدين التقاط هذه اللفتة الكريمة من رجل على رأس المؤسسة التشريعية والانتقال بهذه الدعوة من فضاء الكلام إلى ميدان العمل والتشريع لمعالجة و إنصاف هذه الشريحة ومعالجة الاختلالات القائمة بين الزيادات السعرية المتصاعدة والرواتب التقاعدية الضئيلة. وإذا كان البعض سينظر إلى هذا المقترح وكأنه مجرد ترف في وقت تواجه فيه الحكومة مشكلات اقتصادية عديدة ومتفاقمة خاصة إذا ما عرفنا أن إعادة تصحيح المرتبات التقاعدية سوف تكون باهظة ومكلفة جدا إلا أنني أرى العكس من ذلك على اعتبار أن جزء من الأزمة الخانقة التي يعاني منها المجتمع هي بسبب البطالة المتفشية وضعف القدرة الشرائية إذ أن من شأن إعادة النظر في رواتب المتقاعدين حل لجانب من تلك المشكلات المجتمعية بما يعنيه ذلك من انعكاس مباشر على الأمن الداخلي ,سواء كان ذلك في قدرة هذه الفئة على تحمل نفقات الحياة المعيشية أو في قدرتهم كذلك على الإنفاق للأسر التي يعولونها.. وبذلك تكون الحكومة الموقرة قد أصابت عصفورين بحجر واحدة, فهي من ناحية أعادت الاعتبار لهذه الشريحة ,ومن ناحية أخرى وفرت سبل العيش لقطاع كبير من الشباب العاطل عن العمل ممن ينتمون أسرياَ إلى شريحة المتقاعدين.. مع إدراكنا والحكومة بالأثر السلبي الذي تتركه هذه البطالة على أمن واستقرار المجتمع. إنها مجرد فكرة أمام الحكومة لعل وعسى أن تكون واحدة من مخرجات حل المشكلات الراهنة التي تلقي بظلالها الكئيبة على المشكلات القائمة في اليمن.