أحبك يا وطني بعمق الألحان وطبقات الصوت التي نرددها في نشيدك، وأحبك بقدر سمائك التي تعرف كيف تأوي العلم كل لحظة، وأحبك بقدرك أنت، كما علمتني الأستاذة هيام في حصص التاريخ والجغرافيا منذ الصف السادس. ومع ذلك، لن أخجل أن أخبرك يا وطني، بأنك(مؤلم)، مؤلم حد الإسفاف بمشاعري السابقة، هل تعلم لماذا؟! لأني أعاملك كأنا، كما أحب أن تعاملني، ولكنك للأسف لا تتغير، رغم أننا نتغير! أتمنى أن تفتح عينيك قليلاً وتتحدث بلغة الأرصفة، التي ضاقت بسكانك، وأتمنى أن تقرأ خطواتنا المثقلة بالخوف، والجوع، والضياع. اليوم، وكل يوم، أشاهد الأكف التي تشاركني بسمرة اللون، غير أنها على انتمائها لا تعرفك؛ لأنها لا تعرف حتى كسرة الخبز، إنها لا تعرف إلا لغة إشارات السيارات، التي يتقن أصحابها فن الابتذال بالشتم لذلك المنظر غير الحضاري الذي يلوث (وطنهم)! كل يوم اصطدم بدمعة محبوسة في عين أحدهم وهو يحمل كيس أدويته المنتهية ويمل من طلب الحياة، فالموت أشرف ألف مرة من الهوان تحت ظل علمك!! كل يوم أرى نساء بأطفالهن يعيشون رحلة الحياة في أبواب المطاعم، أو على أبواب المساجد، أو في مناطق معزولة تقع ضمن خارطة الوطن!! لكن اليوم..تمنيت – على الرغم من حبي لك - لو أني لا أعرفك، اليوم شاهدت عامل نظافة شاباً، يترنح من الإعياء، وعلى ظاهر كفه اليسرى (الكانيولا)فراشة المغذية، كان يكد متألماً وهو يلملم بقايا القاذورات التي يلقيها البعض، ثم يبتسم بسخرية، ويتأمل وجه السماء، ثم ييممه مرة أخرى على الأرض ليلتقط شيئاً جديداً، لكن حتماً لن يكون وطناً. في الأخير سيحدثني بعضهم ويقول: من الغباء أن تلومي وطناً، فالوطن مجرد مفهوم، وحقيقته نحن، نعم الوطن نحن، ولكني لازلت أرى الوطن ككيان يشعر بنا، ولذا من حقي أن ألومه قليلاً.