أبرز قضايا الحوار الوطني الذي سيخوضه اليمنيون هو الجانب الدستوري، ليقف الجميع أمام جملة من التساؤلات العميقة التي من أبرزها: هل في الدستور الحالي للجمهورية اليمنية عيب من العيوب المانعة للممارسة الديمقراطية والتعددية السياسية؟ هل وقف فقهاء الدستور أمام بنوده، وأدرك الجميع أين تكمن القوة والضعف؟ وبعد ذلك هل نحن في حاجة إلى دستور جديد؟ ما هي عيوب الدستور الحالي؟ وما النقص الذي عانى منه الجانب الدستوري خلال الفترة الماضية؟. إن الحوار يحتاج إلى الموضوعية والتجرد المطلق عن الذاتية والعصبية أياً كانت، والبعد المطلق عن التعامل والوقوف أمام القضايا بوعي وطني شامل، يستحضر مستقبل اليمن الواحد الموحد الكبير، بعيداً عن الأهواء والأمزجة الانفعالية والرغبة في تفريغ الحقد وتعميق الكره، ولذلك ينبغي أن تطرح العيوب إن وجدت في الدستور الحالي، وتناقش بجدية، ثم توضح الحيثيات والمبررات الدستورية التي تقود إما إلى إعداد دستور جديد أو إجراء تعديل دستوري يستوعب القصور والملاحظات التي سيطرحها المتحاورون في المؤتمر الوطني. يجب التجرد المطلق من الأهواء والنزعات والاختلافات والولاءات الضيقة، وينبغي أن تذوب المسافات في إطار الوطن الواحد الأكثر قدرة على بناء الدولة الحديثة القوية والقادرة والمقتدرة التي تحافظ على بقائها وديمومتها بين الدول، في عالم لا يحترم إلا القوي والموحد القادر على فرض بقائه محترماً يتمتع بالسيادة المطلقة التي تجعله قادراً على حماية الأرض والإنسان والدولة بقوة التلاحم الوطني الذي يعزز قدرات الدولة ويمنع الانقسام ويقطع الطريق على الطامعين في العبث بمقدرات الوطن وأمنه وقداسة ترابه وحضارته الإنسانية ووحدته. إن الوقوف أمام الدستور الحالي وما سبقه من الدساتير أمر بالغ الأهمية؛ لمعرفة مكامن القوة والضعف التي تجعل القائمين على القضايا الدستورية يدركون ماذا يريد الوطن منهم بجدية؛ لأن الناس دون شك يطمعون إلى الأفضل والأكثر تحديثاً والأكثر قوة ومتانة والأصلب ثباتاً؛ لأننا أمام وطن ومستقبل أجيال، ينبغي النظر إلى ذلك بموضوعية مطلقة لا تتفق معها العاطفة والقضايا الفرعية الخاصة، بل ينبغي النظر إلى الوطن بكله بما يؤمن مستقبله ويبعده عن الاستغلال الذي قد يدخل إليه النفعيون الذين لا يهمهم مصالح الوطن العليا، ولذلك لا يجوز بأية حال من الأحوال الركون في مناقشة هذه القضايا المصيرية إلى أصحاب الأهواء والنزوات، بل لابد من أن يتم اختيار عمالقة الفقه الدستوري من أجل رسم المستقبل الأكثر إشراقاً بإذن الله.