يظل الحديث عن الدستور البعد الأكثر أهمية لدى المخلصين للوطن الذين طلقوا المصالح الذاتية، وبات همهم مستقبل الأجيال، وبناء الدولة اليمنية الحديثة. ولذلك ينبغي التشديد غير العادي على هذه الأهمية؛ لأنها دون شك ستظهر الخبيث من الطيب، وتفرز النافع من الضار، وتكشف الباطن من الظاهر، وهنا ينبغي الحديث عن القضايا السيادية في الدستور والسلطة المركزية. لقد أشرت في السابق إلى مشاريع الفدرلة التي يريد البعض فرضها على الوطن اليمني الواحد، حيث إن ذلك البعض ينطلق من نوايا عدوانية، ويتخذ من الفدرلة وسيلة للوصول إلى تمزيق اليمن ومنع توحده وبناء قوة الدولة المركزية؛ لكي لا تقوم لليمن قائمة على الإطلاق، لذلك ينبغي دراسة تلك المشاريع والتركيز على أبعادها المستقبلية، ومدى تأثيرها على وحدة الأرض والإنسان والدولة. وهذا القول لا يعني الإيمان المطلق بالمركزية الشديدة في كل المهام والاختصاصات على الإطلاق، بل إن الاتجاه نحو اللامركزية وتفويض المحافظات أو السلطات المحلية الصلاحية الكاملة في إدارة الشؤون المحلية بات اليوم ضرورة حتمية، لا مكان لتجاوزها أو الوقوف أمامها بجدية؛ لأن اتساع الدولة وزيادة حجم السكان وكثافة متطلباتهم يفرض على المشرع أن يعطي ذلك اعتباراً من خلال تفويض الصلاحيات إلى السلطات المحلية وعدم احتكارها في المركز. إن الفيدرالية أشكال وأنواع وتحتاج إلى دراسة متأنية، ولا يجوز جلب المشاريع الجاهزة والمطبقة في دافع حياة دول ومجتمعات أخرى، فعند الحديث عن الفيدرالية الأمريكية ينبغي إمعان النظر إلى خصوصيات المجتمع الأمريكي وإمكاناته. وعند الحديث عن الفيدرالية في الإمارات العربية المتحدة ينبغي الحديث عن نجاحاته ودراسة إمكاناته، لنصل في نهاية المطاف إلى الخصوصية اليمنية التي تحفظ لليمن أمنه واستقراره ووحدته وتقدمه ونهوضه التنموي الشامل لكل أرجاء الوطن. إن التركيز على تثبيت شكل الدولة ينبغي أن يكون عميقاً وهادئاً خالياً من العواطف والأهواء والنزعات الفردية والمناطقية والفردية والجهوية، وغيرها من الاتجاهات ذات النزعة الأنانية أو المنفذة لمشاريع خارجية تزيد تمزيق اليمن، ولا يجوز الوقوف أمام شكل الدولة بعفوية، بل لابد أن يكون التفكير بقوة في العواقب ودراسة تأثيراتها السلبية والإيجابية، لنصل إلى هدف أعلى هو بقاء اليمن واحداً موحداً إنساناً ودولة وأرضاً. ومتى ما وضحت الضمانات الدستورية لتحقيق هذا الهدف فإنه بالإمكان أخذ أي شكل من أشكال الدول؛ لأن الدستور سيكون حامياً وحصناً منيعاً لحماية وحدة الدولة وبقائها وديمومتها وتطورها وازدهارها بإذن الله.