كل عام وأنتم بخير.. أو بالأحرى كل خير وأنتم أعوامه وكل ثانية فيه قرائي، الذين يقرأون حروفي، بكل حرص واهتمام، تماماً كما يحرصون على تناول “البن صباحاً”، فلكم في البدء كل الدعوات بالخير والحب والحياة التي ننشدها جميعاً.. غريبة هي حياتنا والأغرب منها أحياناً إلزامنا أنفسنا دائماً كيمنيين بما لا يلزم، في أفراحنا وأتراحنا، فنحن من نحمل أنفسنا فوق طاقتها بحجة “العادات والتقاليد” التي لا نلتزم بجميلها بل بقبيحها فقط، الذي يوردنا المهالك، فمن العادات الجميلة “المؤازرة والمساندة” في الأعراس والعزاء، فمازالت هذه العادة متواجدة في القرى وبعض المدن الصغيرة، من معاونة الأهالي لبعضهم بعمل موائد الطعام، ومواساة أهل الميت، أو مساعدة أهل العريس والعروس، لكن ما يرافق أعراسنا بالذات وفي الوقت الحالي لم يعد مجرد مؤازرة، بل بات أشبه بعملية انتحارية، انتحار للسمع والبدن وحتى للجيوب، ونبدأ بانتحار السمع، فأصبح مجرد إعلان قيام عرس في أي حارة يعني حركة استنفار لكل الساكنين في الحارة، وفي الحارات المجاورة، هذه الحركة لا يستثنى منها أحد، يعني لا عجائز ولا مرضى ولا أطفال رضع ولا عاملون ولا شيء، فالمكبرات الخاصة بتدمير أسماع الناس، تعمل ليلاً ونهاراً دون كلل أو ملل، وتصدر إزعاجاً مريعاً، بدلاً من الدعاء للعريس والعروس، يغرقهم الناس بالدعاء عليهم، خاصة المرضى والعجائز، فمثل هؤلاء ما ذنبهم، وهل يجب أن نؤذي بعضنا حتى في أفراحنا، هذا ليس فرحاً، بل ضجيجاً وازعاجاً، هذا فضلاً عما يطلق من أعيرة نارية، أودت بحياة مئات الناس من الأطفال والشباب والعجائز، وكل هذا في جانب وإهلاك الأبدان والجيوب شيء آخر تماماً، فتلك الموائد التي تفرش يرمى منها النصف، حتى لو كان أصحاب العرس فقراء، فيجب أن يغرقوا في الديون ليظهروا أمام الناس بذلك المظهر الذي لا يسمح لأحد بمعايرتهم، مهما كان المقابل، وليأتي من استدانوا منهم بعد العرس ويطالبون بديونهم، ولتنشب المعارك بين العريس وأهله والزوجة المصون، فيجب أن يخرج للعمل لسداد دينه، وليعش على هذا الهم ليلاً ونهاراً، فلا شهر عسل ولا عروس، ويتحول ذلك الشهر إلى شهر بصل، وبصل محترق بنار الهم والغم.. وفي غيرنا من الدول يعيشون الزفاف يوماً واحداً، ويعيشونه ببساطة وسعادة ورفاهية ويؤرخون له، وقد أعدوا منزلهم الصغير، والمكان الذين سيقضون فيه شهر العسل، ولا ديون قات ولا ذبيحة ولامزمار أوفنان أومنشد ولاعشاء العمة والخالة والجدة، بالله عليكم.. أهذا يشبه الفرح في شيء، حتى أفراحنا التي لا تأتي إلا خلسة نعيشها هكذا، ما دورنا كمتعلمين، ما فائدة كتبنا ومؤلفاتنا وربطات عنقنا، ونحن لا نغير في واقعنا شيئاً، فكروا معي جميعاً كيف لنا أن نغير هذا الوضع، فأفراحنا لا تأتي إلا هاربة لا تلبث أن ترحل كما جاءت.