تنتعش الأسواق العالمية بفعل بيع وشراء الأصول للدول الاقتصادية الكبرى، وتنتعش أسواق التبرعات في الوطن العربي مع كل صاروخ يسقط على غزة..!! وجه الشبه هو الانتعاش وكل دولة تنتعش على الجنب اللي يريحها. في بلادي اليمن تجد المساجد تتحول إلى منظمة لجمع التبرعات للشعب الفلسطيني الشقيق، وتجد الناس لا يبخلون.. يجودون بما يستطيعون وبما لا يستطيعون، على الرغم أنهم يصرخون بقسوة في وجوه الاطفال الذين يتسولون في الشوارع، وفي نهاية المطاف كله تسول ولكن تختلف الأساليب. لست ضد الإحساس العربي بالوجع المشترك والهم المشترك، ولست ضد التعاطف مع الإخوة في فلسطين، ولكن هناك اولويات للإحساس، فالألم الذي يصيب جسدي يشغلني أكثر وأفكر فيه قبل أن أفكر بألم صديقي أو أخي وهذه هي الفطرة الصحيحة، مليون طفل يمني يعاني من سوء التغذية المزمن ينتظرون الموت ولا يموتون، وهذه النسبة تنافس فيها اليمنالصومال وأفغانستان، ولا تنافس فلسطين بالطبع. أبدو شريرة قاسية القلب وأنا أكتب هذا، ولكنني لا أرى إنصافًا لأي تبرعات قد تجمع لمساعدة اي دولة أخرى وإن كانت فلسطين طالما أن اليمن وأطفال اليمن أكثر حاجة لها، فلا يمكن لعقل عاقل تقبل فكرة أخذ لقمة من فم طفل يحتضنه الموت، ليعطيها لطفل آخر. في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كانت تجمع الزكوات، كانت توزع على أهل المدينة وحين اغتنى مسلمو المدينة، أمرهم أن يبحثوا عن فقراء المدينة أيًا يكن دينهم، وحين فرغ من الجميع بدأ البحث عن الفقراء المسلمين في دول الجوار، وهذا هو الأصل في التكافل الإسلامي. مع العلم أن التبرعات التي تجمع باسم اي شعب من الشعوب الإسلامية المنكوبة سواء فلسطين أو سوريا أو غيرها، لا احد يعلم مستقرها ومستودعها الا المتباكون والنائحون الذين لانعلم لهم أصلاً، ولا نعرف كم هو اتساع ذممهم، وماهو عمق أماناتهم. في اليمن فقر مدقع، أطفال لطالما رأيتهم ينبشون بين أكوام القمامة يبحثون عن بقاء خبز أو أرز مربوط في كيس نايلون..!! كم هي المرات التي ترون فيها طفلاً يقف إلى جوار إحدى البوفيهات قبيل المغرب ينظر في وجوه الناس وهم يأكلون. كم هي المرات التي تصطدم أعينكم بعيني طفل حافٍ وقت حر الظهيرة وهو يتنقل النظر بين عينيك وكيس فاكهة تحمله بين يديك..!؟ كم هي المرات التي مررت فيها بجانب طفل يصنع من الكرتون فرشاً يحميه من البرد..؟ كم هي مآسي الأطفال في اليمن، ونحن مازلنا نجمع تبرعات ونبذل أموالاً ولا نعلم هل تصل أم لا. بل ويأتينا صوت المنادي: تبرعوا وسيكتب الله لكم نية الصدقة حتى وإن لم تصل "عيني في عينك يا كذااااب".. وكأنه يقول لنا: هي لن تصل يا "خبلان" وأنا أبرأت ذمتي. نحتاج لحملات دعم لأطفال الشوارع في ايام البرد هذه لتوزيع أحذية ولو بلاستيكية، جاكتات ولو مستخدمة، بطانيات لو رخيصة..لا أن نأخذ رزقاً كان يفترض أن يكون لهم وندفعه إلى جهات لا نعلم مصداقيتها ولا من وراءها. يا الله كم أنا شريرة ومقطعة أرزاق في نظر الكثيرين، ولكني أبدو في نظري صادقة مستشعرة لمعاناة الاطفال في شوارع مدننا المنافقة، أولئك الصغار القادرون على رسم الابتسامات على وجوهنا ونحن نجتاز الشوارع مثقلين بهموم لاتنتهي، وهم يتصرفون رغم معاناتهم بعفوية ومرح.. يحتاج هؤلا الأطفال إلى أن نقف إلى جوارهم نخفف عنهم بما نتبرع به لصالح الاشقاء في الدولة الفلانية والعلانية. [email protected]