عمر النهمي بائع العلكة (اللبان) جميعكم سمعتم عن حكاية بائعة الكبريت, لكن لا أظنكم سمعتم عن حكاية بائع العلكة . دعوني أقص عليكم حكايته..طفل في العاشرة من عمره تقريباً يطوف أروقة كلية الإعلام جامعة صنعاء حاملاً في يده علبة علكة يبيعها على طلاب الكلية وزوارها من الكليات الأخرى ليعول أسرته . في يوم عرسي الخميس الفائت كنت واقفاً على كوشة العريس أصافح وأعانق أصدقائي وأحبائي الذين حضروا عرسي لتهنئتي ,كان عنقي عارياً من عقود الفل وفجأة رأيت... نعم رأيته ... إنه بائع العلكة ..لقد وزعت الدعوات على جميع طلاب الكلية, صاحب البقالة العم علي جميل أيضاً وحتى العمال الرائعين في كفتيريا الكلية وكيف؟كيف نسيت أن أعطيه دعوة؟ سامحني يا رب.. لم أنتبه لذلك الطفل المكافح كألف رجل لم أنتبه له مثلما لم ينتبه له هذا الزمن المتوحش الشعور والقارس الإحساس لكنه رغم ذلك حضر... نعم حضر.. لقد أثبت انه أنبل من هذا الزمن ومني. رأيته أمامي. .كان أنيقاً كنجم أزرق ساحر ببذلته الزرقاء الجديدة التي مازال كرت الماركة معلقاً في طرف كوتها ..حضر حاملاً في يديه الذهبية كيساً لم يكن في الكيس علكة بل عقد فل يفوح برائحة روحه النبيلة كان الفرح يطلي وجهه الطفولي الجميل والسرور ينبع من قلبه الملائكي العاطر الطاهر انحنيت على الفور بقامتي الطويلة وقربت عنقي العاري من عقود الفل إليه لتطوقني يداه الصغيرتين كجولبتين بيضاوين بعقد الفل الأول . اقسم بحنان الله المتجلي في عيني ذلك الغلام أني شعرت بفرحة لا تسعها مجرة درب التبانة وان عيني فاضت دموعاً تقبل الأرض التي تطهرت بكعب حذائه القديم على خلاف بذلته التي كانت جديدة . شكرا لله فقد أرسل لي ملاكاً من ملائكته ليهنئني في يوم عرسي. Anees Ghanima منذ تعلّمنا الكلام، ونحن نتلعثم في محاولات ركضنا المتكررة نحو المساحات الواسعة، وفي كل مرة نسقط في البحر لأننا نؤمن بفكرة الرُبّان العربي، أو بالمركب الواحد. منذ سمعت بكلمة عربي، كنت أنادي على أمي، لكنها ظلت أبعد من أن تركزّ سمعها لشقيٍ واحد. كنت أعتمد على فكرة الأب ايضاً، لكن في المرة الأولى التي قابلت فيها أمي العربية قالت لي بأسى إنه قُتِل؛ لم أستغرب موته؛ كانت رائحة الموت عادة يومية، حتى ظننت أن أمي ماتت أيضاً. لم أكترث، لأن الآباء لا يكترثون لترك أبنائهم ينتظرون بألم رؤيتهم على قيد الحياة. “مؤخراً عرفت أصدقاء لا آباء لهم، وأصدقاءً آخرين، كانوا نِعم الأصدقاء حقاً، وقد رجحت ذلك لأن آباءهم لم يتركوهم بعد”. كنت صغيراً على فكرة البلوغ بعد، وكان الصغار مثلي يريدون عجن خميرتهم عن النساء بشكلٍ أنضج. لم استطع تخيل نفسي ناضجاً لفكرةٍ واحدة، مع أني أحب النساء. كانت فلسطين تختمر في رأسي مثل شيطانٍ بمليون رأس! ثم قرأت مصادفةً كتاباً عن الوطن الواحد، كانت فلسطين ما تزال تنمو.. ثم في مرحلةٍ متقدمة تبادلنا الرسائل، لم أدرِ أنني سأتعلم كل شيء في فترةٍ وجيزة.. قلت سأكون بالغاً عمّا قريب. وقد أحببت فكرة منافستي لأقراني، أنا بامرأة واحدة اسمها فلسطين، وهم بنساءٍ متنوعات لا يعرفن كيف تكون الأم. قبل فترة وجيزة، اجتزت فكرة الاعتراف، قلت لنفسي، سأتزوجها، ولن أعترف لأحد. قبل يومين رأينا أحد الأولاد الذين يحبون أمهم يغني لها “فلسطين يا أمي يا ساكنة دمي.. متى اشتقت لأهل.. بأحضانك تضمي” ، “ غنيتك بصوتي وبصمتي وسكوتي.. هالعمر ما يغلا.. يرخص الك موتي” كنت أتمنى أن يسمعني وأنا أقول له، كم هي سعيدة أمك.