انتزعت غزة النصر هذه المرة انتزاعاً , لم يكن ثمة خيار آخر للحيلولة دون وصول فجر 5 إلى قلب الكيان إلى تل أبيب أقل من الانسحاب منكسي الرأس هرباً إلى الطاولة التي افضت إلى اتفاق وقف اطلاق النار في القاهرة , التلويح بالدخول البري لم يكن أكثر من قنبلة دخانية ازكمت أنوف مطلقيها قبل ان تصل إلى أبعد من ذلك رغم الضوء الأخضر الذي اعطته واشنطن والتأييد الشعبي بحسب وزير الخارجية الاسرائيلي داني ايالون . اليميني المتطرف افيجدور ليبرمان بدا متساهلاً على غير العادة وخرج بتصريح : “إن إسرائيل لا ترغب في خوض حرب شاملة، إلا أنها على استعداد لعملية برية في القطاع” لكنها لم تفعل على كل حال, صحيفة “يديعوت احرنوت” العبرية، قالت ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هاتف اليوم السبت كل من : المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي، ونظيريه اليوناني والتشيكي، وذلك بهدف شرح موقف اسرائيل من العدوان المتواصل على قطاع غزة , في حين ان اسرائيل لم تكن تأبه لكل ذلك . صحيفة الغارديان أشارت في مستهل افتتاحيتها إلى أنه خارج نطاق حملة الانتخابات الإسرائيلية يصعب رؤية الأيام الثمانية الأخيرة من القصف الجوي لغزة على أنه نجاح تكتيكي , في إشارة إلى بنيامين نتينياهو. تهديدات المسئولين الإسرائيليين بدت هزيلة توازياً مع الوهم الذي آمن به نيتنياهو وحكومته لتدشين حملته الانتخابية على انقاض وركام غزة , توهموا أن غزة ستتوارى بعيداً على إثر أول طلعة جوية وينتهي الأمر . لم تكن المعادلة التي حفظوها عن ظهر قلب حاضرة في الموعد , كانت دول جديدة قد تشكلت بفعل ناموس (الربيع العربي) , المعطيات تغيرت أيضاً عن تلك التي عشناها في زمن الانحطاط ؛ عصر ما قبل الربيع . مصر حضرت ؛ مصر 25 يناير بطبيعة الحال لم تكن هي ذاتها مصر ديسمبر 2008 , ثمة بون مهول بين مشهدين يشيان بالكثير من غبطة تملكت الشارع العربي على اثر هذا التحول ؛ يومها دشنت اسرائيل (الرصاص المصبوب) من القاهرة وكانت تسيبي ليفني تتبادل الابتسامات مع عمر سليمان بودية مدهشة . على كل الأصعدة كانت (عامود السحاب ) على غزة رغم حجم العنجهية التي صبها العدوان الصهيوني على القطاع , رغم ال 116 شهيد , كانت تلك الحرب إيذاناً بافتتاح عهد جديد في مسارات القضية الفلسطينية ومآلاتها . وبالعودة إلى اتفاق التهدئة , نجد أن الطاولة قد انقلبت بشكل جذري على من كان إلى وقت قريب يملي شروطه المسبقة قبل الجلوس أصبحت المقاومة هي من تصيغ مثل هذه الاتفاقات ؛ فشرط اسرائيل المتمثل بوقف إطلاق النار لفترة وجيزة محددة، وعدم إنشاء منطقة حظر لإطلاق النار على الحدود , لم يُلبّيا في الاتفاق . لست متفائلاً بالقدر الذي يجعلني ذلك التفاؤل أغير قناعاتي بموازين القوى العالمية وسيرورة الأقدار التي تتحكم في مآلات هذا الكوكب , إذ لا يمكن تجاهل أن اسرائيل لازالت تمتلك أقوى ترسانة اسلحة في المنطقة , ولازالت الولاياتالمتحدة تقف بكل ثقلها ؛ لوجيستياً وحتى عسكرياً خلف اسرائيل . اعزوا بصيص الأمل الذي انعش مقاهي وجلسات العواصم العربية إلى جملة من المتغيرات جعلت من مسار الحرب الأخيرة على غزة يسير بصورة مغايرة على عكس ما ألفناه مع كل الهجمات الاسرائيلية التي سبقت عصر الربيع , معبر رفح فتح أمام الغزاويين , تطور نوعي في صواريخ المقاومة , بالإضافة إلى نجاح باهر حققته ديبلوماسية حماس . أترقب بأمل رفع الحصار الظالم على قطاع غزة ؛ فاستمراره على هذا النحو يمثل نقطة مظلمة في صفحات الربيع الناصعة , على زعماء الربيع أن يكملوا حمل مشعل قضية الأمة الأم (قضية فلسطين) لتكلل بكسر الحصار عن القطاع . و بالإضافة إلى موقف مصر الذي مثل باكورة الإسناد الخارجي لغزة , فقد كان لقطر وتركيا وإيران بصمات واضحة على تفاصيل ذلك النصر , فخرج رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يعزو ذلك النصر لأبطال المقاومة في الدرجة الأولى وتلك الدول التي اسلفنا ذكرها . كنت في فترة الثمانية أيام من الحرب على غزة قد قررت أن أصمت الا من بعض المنشورات على صفحتي في الفيس بوك , أقصد بخصوص حرب غزة الأخيرة , كنت مندهشاً لكثير من المثقفين - كيف تساقطوا كما فعلت صواريخ المقاومة على الأراضي المحتلة – وصل ببعضهم الى أن يحشر المقاومة والاحتلال (الجلاد والضحية) في خندق واحد بينما مواطنو الطرفين لا يرتضون بمثل هذه الحرب , أحدهم يتهم المقاومة بأنها المسئول الأول عن ضحايا القصف في القطاع , وهكذا. هناك الكثير والكثير من مثل هذا الغسيل الذي نُشر على انه انتصاراً لقيم الانسانية , شيء يبعث على الشفقة أكثر من أي شيء آخر , لكن في غمرة ما احدثته السواعد الغزاوية لا يسعني إلا أن أدعو لهم الله تعالى أن يخلصهم من لعنة الأيدلوجيا التي اعمتهم عن رؤية الحقيقة رغم بريقها ووضاءتها. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=467939619911785&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater