الانتخابات المتفق على تزويرها وفقاً لبنود وثيقة التوافق على عدم تقديم أو السحب للطعون المقدمة أحدثت توازناً جديداً للقوى والقوة قضت باحتلال الحزب الاشتراكي المركز الثالث في البرلمان, ومن ثم ضعفت قوته وموقفه من السلطة وفي السلطة, وزاد من تعقيد المشهد السياسي الصراعي وثوب أحد الفقهاء إلى عضوية مجلس الرئاسة , كاستحقاق من استحقاقات الانتخابات المزورة. وأحدثت هذه التغيرات ارتباكاً في قيادة الحزب الاشتراكي التي كان عليها قبول المعادلة الجديدة التي كان عليها التصرف وفقاً لهذه الموازين الجديدة خاصة أن التقاسم على اثنين أضحى قسمة على ثلاثة أي 2 مقابل 1 للحزب الذي كان عليه السير في درب سياسي مظلم ولا مناص من مواجهة الأسوأ في اتساع دائرة العدائيات وتكشيرها أنياب التصفية عن طريق الاغتيالات والكمائن والحرب كضرورة للابتلاع الجيوسياسي. وبرهنت الحالة السياسية والحالة النفسية لعديد من قادة الحزب والأحداث الميدانية خطل وجهة نظر الأمين العام للحزب الاشتراكي الحالي الذي يتعسف مفردات الأحداث آنذاك بادعائه أن الحزب حمل«قضية الجنوب» قبل حرب 1994م لأن الهاجس الذي برز بعد التغيرات في موازين القوى والقوة بعد الانتخابات المزورة آنذاك هو “الهاجس الأمني” أو “ضمان الحماية الأمنية لقيادة الحزب” وهي التي تركزت في الثماني عشرة نقطة التي أعلنها علي سالم البيض من الضالع وفي البند الأول من “وثيقة العهد” الموقعة في فبراير 1994م في العاصمة الأردنية. وفي حقيقة الأمر تفاقمت الخلافات داخل المكتب السياسي حول مصفوفة من القضايا الجوهرية ومنها نتائج الانتخابات وطبيعة الشراكة وأبعادها على المستوى القريب والبعيد, كما كانت تجارب انهيار الأنظمة السياسية في شرق أوروبا ماثلة في ذهنية العديد من القياديين الاشتراكيين القلقين, ونجم عن تلك الخلافات تمترس أربعة تيارات وراء وجهات نظر متباينة حول المشهد وهي: أول: هو الذي رحب وقبل بنتائج الانتخابات المزورة بوصفها أمراً واقعاً مفروضاً لايمكن رفضه ولابد من مواجهة استحقاقاته عبر الانتقال إلى مربع المعارضة والعمل وفقاً لآليات مميزة تستطيع اتقاء ماهو أسوأ كان قد لاح في الأفق القريب وكان المهم لهذا التيار هو عرقلة ماقد يكون مفجعاً وتأجيل فعاليته والإعداد الجيد تنظيمياً وشعبياً وإعلامياً وسياسياً لوقف مضاعفاته السياسية. ثانياً: هو الذي قابل الانتخابات بتحفظ وانفعال مستشعراً الخطر الداهم والحقيقي على حياته وامتيازاته في السلطة عبر هذا التحفظ بردود أفعال متدرجة غير مدروسة رافضاً الرضوخ للوضع الجديد بمجمله والذي أخذ يضيق عليه المساحة في المشاركة السياسية, واستشعر أن التحالف الثلاثي يعمل بجدية لإقصائه والتنصل عن اتفاقات التوحيد والوثائق اللاحقة لها. ثالثاً: هو ذلك الذي بقي في هامش المكتب السياسي وفضل التربص وحافظ على تداعيات أحداث 13 يناير 1986م وظل مستتراً, يستدعي مخرجاتها ومضاعفاتها السلبية حينما يتعلق الأمر بالمواقف الهامة والحاسمة تجاه قضايا العلاقة بين الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام أو بمعنى أدق بين علي سالم البيض كنائب لرئيس مجلس الرئاسة وبين علي عبدالله صالح كرئيس للمجلس.. وكان هذا التيار تعبيراً مكثفاً عن عدم الولاء الإيجابي الكامل لقضية الحزب كشريك أساس في السلطة بل كان يميل إلى الولاء لسلطة صنعاء لأنها صاحبة فضل في احتضانه وإيوائه والصرف عليه منذ وطأة أقدامه أراضي صنعاء ومن بين أعضاء هذا التيار عناصر جديدة استطاع علي عبدالله صالح وأركانه استقطابها عبر الإغراءات المالية والامتيازات المادية الأخرى. رابعاً: هو تيار الأكثرية الصامتة الذي تعود على قبول المركزية والأوامرية وأصحاب النفوذ في القيادة وتعود على الطاعة وهو لا يقوى على استخدام حق العضوية الإيجابية في نقد سلوكيات المتنفذين وتسللهم المتسلطين على إدارة ومقدرات الحزب.. إن هذا الانقسام في التعاطي مع الأحداث المستجدة بعد الانتخابات وجد صداه في الأحداث التي رافقت تفاقم الأزمة الخانقة. رابط المقال على الفيس بوك