يأتي الحوار الوطني الشامل في مرحلة فاصلة وفارقة في تحديد مسار ومستقبل اليمن الجديد، فهو الضمان الوحيد للعبور إلى الدولة المدنية الحديثة، وتحقيق العدل والإنصاف لكل أبناء الوطن، الأمر الذي يتطلب التخلي عن المشاريع الخاصة الضيقة والانخراط في مسار الحوار الوطني الشامل. يكفي تجربة ثلث قرن من الإلغاء والتفرد والتضليل وتغليب لغة القوة في التعامل مع مفردات الحياة السياسية، وتحويل الوطن من مشروع كبير إلى ملكية خاصة، تجربة مأساوية كانت نتيجة للإقصاء ورفض منطق الحوار. واليوم ينتظر اليمنيون مرحلة جديد ةيكتبون مفرداتها بأيدهم ويحققون حلمهم المنشود في بناء دولة العدل والقانون والشراكة السياسية من خلال مؤتمر حوار بلا خطوط حمراء أو محرمات يضم كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي. إن الحوار الوطني الشامل ليس غاية بحد ذاته، بقدر ما يمثله من تعبير حضاري لمناقشة التحديات والمشكلات المتعددة والمعقدة سواء كانت حقيقة أو مصطنعة. تأتي اهمية هذا الحوار بعد نصف قرن واليمنيون يبحثون عن دولة القانون والمؤسسات والخروج من دوائر الاستبداد والتخلف والفقر والجهل. إن نجاح هذا الحوار مرهون بتقارب وجهات النظر التي تتبناها الأطراف المشاركة فيه، مع تعاون الجميع في إزالة وتجاوز الصعوبات والعثرات التي تقف في طريق نجاحه. الحوار نظرة عالية إلى السماء وللمصلحة العليا للوطن، والخوار نظرة تتدحرج إلى الأرض والدونية والمصالح الشخصية. الحوار إرادة مشتركة من جميع الأطراف، مع الرغبة لتبادل التأثير والتأثر، والخوار مطالب فئوية، ودوافع انتهازية، ومفاهيم ضيقة، وأنانية وسوء ظن ونظر للآخرين بهدف التسلط والهيمنة. - الحوار طرح جميع الآراء على أساس من الاحترام المتبادل وقبول الآخر، ونبذ العنف والتخلي عن السلاح، والخوار أسلوب القوة وهيمنة السلاح لفرض المواقف والآراء. الحوار يقتضي تنازل الأطراف المشاركة فيه، والدخول إلى فضاء مشترك واسع يحقق المصلحة العليا للوطن، والخوار الاتكاء على الجمود والتعصب والانغلاق، وإفراغ الحوار الوطني من مساره الصحيح إلى طريق مملوء بالألغام والأشواك والقضايا الجزئية التي لا تتوخى المصلحة الكبرى للوطن. الحوار حل القضية الجنوبية ببعدها السياسي والتاريخي والحقوقي، واعتبارها المدخل الرئيسي للإصلاح الوطني الشامل، والخوار اختلاق المعوقات وطرح الشروط المعيقة لمسار عملية التسوية السياسية. الحوار يعني توحيد القوات المسلحة والأمن، كمقدمة لهيكلتهما مما يحقق المناخات المناسبة والآمنة للحوار وتحقيق الاستقرار، والخوار التمترس تحت حق القوة لا قوة الحق. الحوار يعني التزام خطباء المساجد بمنهجية معتدلة في توجيه وإرشاد الناس، والدعوة للألفة والتعاون، بما يساعد تحقيق الوفاق السياسي والمجتمعي، ويسهم في إنجاح مؤتمر الحوار الوطني، والخوار إطلاق فتاوى التخوين والتكفير والعمالة، وإصدار البيانات أو الفتاوى التي من شأنها الاستهداف السياسي. الحوار يهدف إلى قيام دولة مدنية حديثة، تحقق السلام والحرية والمواطنة المتساوية، دولة تتأسس على دستور يضمن لجميع المواطنين الكرامة والرخاء في كل المناطق والمحافظات والمديريات. والخوار يهدف إلى قيام دولة اصطفائية دينية كانت أو سياسية أو اجتماعية، تعيد الدولة والمجتمع إلى حالة الاستبداد والظلم من جديد. الحوار يعني العمل على بث روح التفاؤل في الأوساط السياسية والعامة، بما يساعد على تقريب وجهات النظر والتهدئة تمهيداً للدخول في الحوار الوطني الشامل، والخوار يعني التصريحات التحريضية المتبادلة التي من شأنها أن تسهم في تقويض التقارب السياسي. الحوار رغبة صادقة من جميع أطراف العمل السياسي والمكونات الاجتماعية بتحقيق أهداف الثورة الشبابية السلمية المتمثلة في بناء اليمن الجديد، وتهيئة الأجواء الشعبية والرسمية والإحساس بصدق النوايا، وإزالة الخنادق والمتاريس السياسية بين جميع أطراف الحوار. والخوار هو الاحتقان السياسي والديني بين الأحزاب والمكونات الاجتماعية والعيش في مربع الخلافات والمماحكات. الحوار التزام جميع وسائل الإعلام الحزبية والأهلية بأخلاقيات العمل الإعلامي، وإسهامها في تلطيف الأجواء الإيجابية للحوار الوطني الشامل. أما الخوار فهو نشر وبث وإذاعة البرامج والمواضيع التي تسهم في توتير الأجواء، وعرقلة مسيرة الحوار الوطني. أخيراً إن طريق الحوار هو الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله تجاوز التحديات والأزمات القائمة، وتخطي المخاطر المحدقة التي تتربص بمستقبل البلاد، الأمر الذي يستدعي الإسراع في إصدار بيان سياسي مشترك وعاجل من جميع الأطراف يتضمن الاستعداد للمشاركة العملية والجادة فيه، فالحوار هو البوابة والجسر الناقل لليمن من التعاسة والبؤس والحرمان الذي عشناه خلال فترة حكم العصابة إلى اليمن السعيد حقيقة وواقعاً ملموساً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك